قبل أيام فرضت الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على روسيا. هذه العقوبات التي شملت 70 شخصية وحوالي 100 كيان ومؤسسة من بينها مؤسسات مالية ومجمع عسكري، تشي بأن الدفعة الأولى التي فرضتها لم تجد نفعاً ولم تعط النتيجة المتوقعة، وهو ما دفعها لزيادة الجرعة. بعد مرور حوالي عام ونصف على الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا، أثبتت موسكو أن محاولاتها في الانعطاف على العقوبات قد نجحت بالفعل، بعدما استطاعت إيجاد سبل بديلة، لم تستطع واشنطن قطعها.
شكك عدد من الخبراء الاقتصاديين الدوليين منذ البداية، في نجاح العقوبات. اذ أن "السلاح العجيب" الذي كان ينجح في القرن 19، لن ينجح في القرن الـ 21 والعالم قد اتخذ منحى أكثر انفتاحاً وباتت من حيث التجارة والاستثمار وتدفق المعلومات والتكنولوجية وبات العثور على سلاسل التوريد أمراً أقل تعقيداً.
يقول رجل الأعمال الروسي، أوليغ ديريباسكا، وهو أحد الاقتصاديين في البلاد وقد فرضت عقوبات على أصوله المالية التي تتجاوز المليار ونصف دولار، ان "إن رحلاته إلى آسيا أقنعته بأن دولاً من الجنوب العالمي ستقاوم الضغوط للانضمام إلى العقوبات الغربية، مما يوفر لروسيا شريان حياة".
بعد فترة قصيرة من فرض العقوبات، ارتفعت التجارة مع الصين بنسبة 32% على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى 155 مليار دولار، في حين تضاعفت التجارة ثلاث مرات مع الهند في النصف الأول من العام الجاري إلى 33 مليار دولار.
وقال ديريباسكا إن ثروة روسيا في الموارد الطبيعية تجعلها شريكاً تجارياً جذابا للغاية بالنسبة للدول التي تعتمد على صادراتها من الطاقة والمعادن والمواد الغذائية للتخلي عنها: "من بين المليار شخص الذين على وشك الولادة، سيكون 70$ في هذه المنطقة. دعونا نواجه الواقع. إنهم يريدون التنمية، ويحتاجون إلى موارد روسية، وحلول روسية، وتجارة مع روسيا...الاعتقاد بأن العقوبات ستوقف الحرب أو تخلق تغييراً في النظام أو تجعلنا بطريقة ما أقرب إلى نهاية الصراع. لا. أنتم بحاجة إلى حل آخر".
برزت افريقيا كمنفذ جديد وفعلي لتسييل خطط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتي تهدف إلى التغلب على مختلف أنواع العقوبات. خاصة وان موسكو تتمتع بنفوذ جيد في مختلف تلك الدول، وهي ليس أمراً طارئاً بل ناتج عن عقود من العمل.
كان تعزيز العلاقات في القارة جزءاً من الخطة. ينظر الكرملين إلى العديد من البلدان الأفريقية على أنها أماكن ذات إمكانات اقتصادية عالية، وقد كان هذا واضحاً بالنظر إلى الوجود المتزايد لمجموعة فاغنر في القارة، على سبيل المثال، والتي تولت مهام إضافية في حماية وامتلاك عدد من مناجم الذهب واستغلال الموارد الطبيعية الأخرى في القارة.
كما تتمتع روسيا بعلاقة تمتد لعقود مع الجزائر وكان لها وجود قوي في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011.
على رغم الجهود المبذولة، لم يتمكن أحد من جعل اقتصادات شمال أفريقيا أكثر تكاملاً وتجارة أكثر مع بعضها البعض، وبالتالي، فإن الجهود التي بتذلها موسكو في هذا الصدد، قد يجعلها، من منظور جيوسياسي، أكثر تأثيراً حتى بمراكز القرار الكبرى في تلك الدول.
ويقول محلل المخاطر السياسية والزميل الزائر في مركز دراسات أوروبا الشرقية، ديونيس سينوسا، إن اتفاقيات التجارة الحرة تساعد على خلق ترابط يمكن استغلاله على المدى الطويل لأغراض جيوسياسية... التجارة الحرة يمكن أن تكون جذابة لدول شمال أفريقيا التي تعتمد على واردات المنتجات الغذائية الزراعية خاصة بعدما أصبح الأمن الغذائي قضية ملحة والحاجة الناتجة عن تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهو ما تمسك روسيا بزمامه".
الحاجة المتبادلة بين روسيا والدول الافريقية تنتج بالفعل سلاسل تجارية واقتصادية بدأت نتائجها تنعكس ايجاباً على كلا الجانبين. ويأتي الإعلان عن إقامة منطقة اقتصادية، أحد أوجه هذا التعاون. وفي حين تنظر واشنطن إل سقوط موسكو جراء العقوبات، تمد الأخيرة أذرعها الاقتصادية بحرفية بالغة، إلى ساحات أخرى تشتد فيها المنافسة.
الكاتب: غرفة التحرير