الخميس 12 تشرين أول , 2023 04:16

حماس ووقاحة تصوير المشهد في الإعلام الغربي

كريستيان أمان بور

تتراكض وسائل الإعلام الغربية، منذ أن ابتدأت عملية "طوفان الأقصى" الأسطورية بإستضافة الصهاينة من فلسطيين المحتلة على شاشاتهم من أجل تبرير مواقفهم والإستماع لتقديراتهم، ولم تترك أحد من الوزراء السابقين أو اللاحقين أو المعارضين والمحللين والعسكريين، إن استطاعت، إلا واستدعته. وفي الوقت نفسه، كان هناك تراكض منقطع النظير وغير مسبوق نحو الحصول على تصريحات من رجالات السلطة الفلسطينية لم يلحظ منذ توقيع اتفاقيات اوسلو ولا حتى خلال عملية سيف القدس كما يحدث اليوم. هذا الإهتمام لم يأت من فراغ وإنما من عظمة الحدث الفلسطيني وعمق تأثيره، والذي لم نشهد مثيل له منذ انتفاضة الأقصى الثانية في 28 أيلول/ سبتمبر في العام 2000.

لكن اليوم وبتأثير حجم العملية، التي دخل من خلالها المقاومون إلى المستعمرات الصهيونية والمواقع العسكرية الصهيونية براً وجواً وبحراً والتي هزت أساس الكيان، الذي كان فيه قسم السيد حسن نصرالله بأنه أوهن من بيت العنكبوت، قسماً عبر عن دقة لامتناهية في توصيفه. ابتدأ المقاومون فيه بجني صيد ثمين من جنود وضباط كأسرى من الكيان مما أذهل العالم حول انهيارات الجيش الذي لا يقهر، والذي يمتلك أهم آلة عسكرية في الشرق الأوسط بكليته. بالتأكيد لكل حرب نتائجها ومنها العدد من القتلى "المدنيين"، كما يريد الإعلام الغربي أن يسميهم، مع العلم أن المجتمع الصهيوني هو عبارة عن تجمع عسكري بثياب مدنية منذ يبدأ بالترعرع صغيراً، فنحن لم ننس توقيع أطفال هذا المجتمع على الصواريخ، التي أطلقت على لبنان في العام 2006، وعلى غزة في العام 2009، والتي جاء فيها "من أطفال اسرائيل إلى أطفال لبنان"، وفي العام 2009، انتهت الجملة بـ "إلى أطفال غزة". ولكن ومع ذلك لم يقرب المقاومون منذ اللحظة الأولى أياً مما يسمى "بالمدنيين".

غير أن ارتفاع أعداد الإصابات بين الصهاينة، ولأول مرة بهذه الوتيرة منذ حرب السادس من تشرين التحريرية، أذهل العالم، وخاصة أن الضحايا بين المدنيين لم تعد حصرية بين الفلسطينيين، أو اللبنانيين، أو العراقيين، أو السوريين بفعل الهجمات الصهيونية، والتي لم يحرك من أجلها الإعلام الغربي ساكناً، ولكنها بين الصهاينة أنفسهم، وبدأت المقارنة انها إذا ما قورنت بضحايا الحادي عشر من سبتمبر فيجب ضربها على الأقل بعشر مرات، وفي هذا استفزاز عاطفي مدروس لكل اميركي. فبدأ التسارع نحو أفراد من السلطة الفلسطينية ونحو قيادات وشخصيات من فتح من أجل حصد الإدانات منهم على مقتل "المدنيين" من الصهاينة. وكان التوجه منذ اليوم الأول على قناة الـ CNN، وعبر لقاء أجرته كريستين آمانبور، وهي مديرة القناة في لندن مع عضو المجلس التشريعي، مصطفى البرغوثي، في صباح السابع من هذا الشهر، تشرين الأول/ أكتوبر، في أمريكا، أي مساء اليوم نفسه بتوقيت القدس، اليوم الذي بدأت به عملية "طوفان الأقصى" لتطلب منه وتسأله أربع مرات متتالية هل تدين قتل المدنيين "الإسرائيليين" في غلاف غزة؟ حتى قبل أن تتوسع مساحة المعارك.

رفض البرغوثي ما قالته آمانبور، وتحدث عن تاريخ طويل من الصراع صمّت فيه الولايات المتحدة أذنيها عما يحدث في غزة من حصار وتمييز عنصري أبشع مما حدث في جنوب أفريقيا، وطالب بالنظر إلى ضحايا فلسطين بعين إنسانية وأنهم بشر متساوون، ولهم الحق بالحياة الآمنة والحرية والعمل وممارسة الحياة اليومية بآمان، وهذا ما تعجز الإدارة الأميركية عن رؤيته وتراه حقاً مقدساً للصهاينة دون غيرهم. وتحدث البرغوثي عما يحدث في الأقصى من انتهاكات للمصلين والمصليات والضرب والبصق على المصلين المسيحيين الفلسطينيين والاعتقالات الإدارية ووجود الآلاف في السجون الصهيونية والمعتقلات لسنوات وسنوات دون أسباب واضحة وتهم موجهة. ورفض البرغوثي إدانة المقاومين ولم يسمهم مسلحين، وهو ما أرادته صراحة آمانبور، التي تستقبل في برنامجها الرؤوساء والوزراء وصانعي القرار حول العالم وتأخذ منهم التصريحات التي تريدها تجاه قضايا محددة ولكنها فشلت في تحقيق ذلك مع كل الحماس الذي أظهرته خلال اللقاء. بل كان اللقاء مناسبة تبدلت معالمها لتظهر وحشية الإسرائيلي وأحقية القضية الفلسطينية، وخيبة مديرة القناة في لندن.

في لقاء صباحي "أميركي" آخر في اليوم التالي حاولت آمانبور فعل الأمر ذاته مع رئيس البعثة الدبلوماسية في لندن السفير حسام زملط، وحصدت الأجوبة ذاتها، ولكنها حاولت اللعب على الخلاف ما بين حماس والسلطة الفلسطينية، وأنهم معارضون لها، في الحقيقة لعب كان في منتهى الخسة في زمن تقصف فيه غزة وكان وصل عدد الشهداء فيه إلى أكثر من 500 شهيد. كما رفض البرغوثي التجاوب مع لعبها، رفض زملط ذلك، وأصر أن الإنفجار طبيعي في زمن يخضع فيه الفلسطينيون في غزة إلى حصار، وبات فيها مليونا فلسطيني يعيشون في سجن مفتوح.

السكاي نيوز الإنكليزية، أرادت في اليوم التالي للعملية دفع السفير حسام زملط لحصد الإدانة مرة أخرى، وكأن المذيع لم يسمع كلامه مع آمانبور بسؤال أولي مكرر: "هل تدين حماس؟ هل تدين حماس؟". أجاب زملط بغضب: "ما هذا الهوس بإدانة من هم تحت الاحتلال والاستعمار والمحاصرين على مدى هذه السنين، وأن طرح الحديث عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن أنها في حصار، هو كلام أخلاقياً مكروه". وبعد أن رفض نهائياً الدخول مع السكاي نيوز في لعبة إدانة غزة وحماس، وصف المليوني مواطن فلسطيني ممن هم أصحاب البيوت والذين جزء كبير منهم هم من لاجئي العام 1948 بعد النكبة الفلسطينية، بأنهم يعاملون كأسرى وتنزع عنهم إنسانيتهم على مرأى من العالم. أسئلة وتساؤلات يفرضها الإعلام الغربي وهي تساوي بين الضحية والجزار.

من الواضح أن هناك نزعة في الاعلام الغربي من اجل نزع الصفة الانسانية عن المحاصرين في غزة، كما أن هناك نزعة لتحويل شكل عملية "طوفان الأقصى" وتصويرها على أنها خلاف بين حماس والكيان العبري. وعندما تخرج قيادات الكيان للحديث على المحطات الغربية، تأخذ وقتها، وتصور حماس وكأنها وحش خرج من القمم ليبتلعها، ويبدؤون بالحديث عن خطف للنساء، مع العلم أننا نعلم وهم يعلمون بأنهم مجندات، ويتحدثون عن خطف للأطفال، مع العلم أن كل فلسطيني ظهر على المحطات ذاتها تحدث عن الأسرى الأطفال في فلسطين، ولم يسأل أحد من هؤلاء على المحطات حول سياسة التمييز العنصري والإعتقال المدني واعتقال الأطفال وما غير ذلك. من الواضح أنه لا يمكن التعويل على أية مصداقية لهذه المحطات التي لم تسأل حتى عن مقتل الصحفيين، وتستقبل الصهاينة على شاشاتها وهي تعرض الدمار الذي لحق بغزة وتواكب قصفها بالطائرات وتعرض المباني والمنشآت وهي تنهار كما أحجار الدومينو فوق بعضها، وتستمع لتبجح الصهاينة وهم يتحدثون عن قطع المياه والكهرباء والمواد الطبية والغذائية، والأسوء من ذلك أنهم يطالبون بتدخل العالم من أجل إنقاذ الكيان المؤقت ونصرهم على أهل فلسطين، وهذا ما فعلته تسيفي ليفني، وزيرة خارجية الكيان في 2006، متوجهة نحو الولايات المتحدة وروسيا، حتى بعد إدانة الأخيرة في أوكرانيا. وقاحة ليس لها من مثيل.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور