الإثنين 16 تشرين أول , 2023 03:45

طبيعة الدعم الأميركي لنجدة نتنياهو وحليفتهم اسرائيل

حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد"

بعد الساعات الأولى من إعلان القائد محمد الضيف عن بدء عمليات طوفان الأقصى، طوفان فاق كل التوقعات، في حين كانت معظم المواقف العربية والإقليمية والدولية تتوقع أن الرد على انتهاكات الأقصى لن تتجاوز بعض الرشقات النارية على عسقلان وأسدود وبعض المستعمرات أو التجمعات والأحياء التي يحتلها الصهاينة، التي بدأت فيه منذ الرابع من تشرين الأول/ اكتوبر وحتى السادس منه، حفلة تدنيس جديدة على يد المحتفلين الصهاينة بعيد الغفران بشكل لم يعد محتملاً على المستويات القومية، والوطنية، والإسلامية، والإنسانية. وبدأت مع الاحتفالات اليهودية الشائنة مسيرات البصق على المسيحيين العرب في القدس، وليس على الأوروبيين أو الأميركيين، وبدأ الاعتداء على المصلّين من المسلمين ولم يوفر ذلك حتى النساء. ربما لم يتوقع أحد تدفق رجال المقاومة لبدء عملية الدفاع عن الأقصى من الأرض والماء والسماء، ولكن ما لم يتوقع أيضاً هو حجم الإرباك الذي أصاب الموقف الأميركي الرسمي.

قال الرئيس جو بايدن أنهم يقفون إلى جانب الصهاينة ودولة "إسرائيل" صديقتهم وحليفتهم الأولى في الشرق الأوسط، واتصل ببعض الملوك العرب، وحذر من أن تقوم أي دولة بإرسال القوات من أجل نصرة المقاومين. قالها وهو منفعل وغاضب ويرفع يده مهدداً أن أمريكا ستدخل الحرب في حال تدخل دول أخرى. فالإدارة الأميركية تخشى فعلياً تدخل محور المقاومة الحرب إلى جانب الفلسطينيين، وهي لا تستطيع حتى الساعة وضع الخطة المناسبة لمواجهته. وبالتحديد ما يخشاه الأميركيون، هو تدخل حزب الله في المعركة واجتياح الجليل من الشمال، وهذا ما يتحدث عنه الإعلام الأميركي منذ ثاني أيام الطوفان، وبشكل اضطرادي. وينسبون عملية طوفان الأقصى لقرار محض خارجي هدفه وقف عملية إتمام التطبيع ما بين السعودية والكيان العبري.

إذا كان توقيت الحرب من أجل وقف عملية التطبيع، فهذا لا يقلل من شأن الفللسطينيين، بل على العكس، هو يرفع من حظوظهم من أجل الدفع نحو معركة تحرير الإنسان والأقصى وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على الأقل بموجب مبادرة الملك السعودي الراحل، عبد الله، وبموجب قرار اجتماع الجامعة العربية في بيروت في العام 2002. وإذا استطاع الفلسطينيون تحصيل هذه المكاسب من خلال الإنتصارات التي يحققونها حتى الساعة، فهذا يعني أن حرب تحرير الأرض والمقدسات والإنسان التي بدأتها المقاومة في حماس ستكون انتصاراً فلسطينياً خالصاً دون تدخل باقي محور المقاومة. ولكن أي تدخل يعنيه الأميركي، لأنه إذا كان التدخل المعنوي مقابل التدخل المعنوي، والتدخل بمساندة المقاومة مادياً ولوجستياً مقابل التدخل الأميركي المالي واللوجستي، فهذا لا يقلل من شأن المقاومة بشيء. وفي الحقيقة هذا ما تلتزم به الولايات المتحدة حتى الساعة.

إعلامياً وخطابياً يحاول الأميركيون دعم الصهاينة ويحاولون من خلال اللقاءات الإعلامية الربط ما بين توقيت حرب السادس من تشرين التحريرية 1973، وما بين بدء العمليات على جبهة غزة في السابع من تشرين الأول 2023. ويحاولون ربط العمليتين في الذكرى الخمسين لإنتصار تشرين 1973، فكلا العمليتين اختارتا يوم السبت من فرصة عيد الغفران، عيد يكون فيه اليهود ملتزمون بوقف أعمالهم اليومية والقتالية. وكلا الحربين جاءتا بغتة ليس على الصهاينة فقط، بل حتى للأميركيين الذين كانوا متيقنين من أن شيئاً لن يحدث. وفي كلا العمليتين كان جمع الإحتياط الصهيوني عملية شاقة، وكلا العمليتين التشرينيتين سبقتهما العديد من التدريبات والمناورات الكبرى. وكلاهما دلتا على حجم الثغرة الإستخبارتية المميتة لدى الصهاينة. ولذلك كان أول ما أعلنه الأميركيون وحتى الأوروبيون أنهم مستعدون لتقديم المساعدة الإستخباراتية بشكل مبدئي.

ضمن سياسة الدعم الأميركي، تم ارسال حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، وصواريخ كروز وأربع مدمرات صواريخ إلى المنطقة ومقاتلات جوية أميركية وتبعتها حاملة الطائرة ايزنهاور. وهذا نوع من الدعم بالطائرات الأميركية تلقته "اسرائيل" في اليوم السادس لحرب تشرين التحريرية 1973 عبر جسر جوي من القاعدة الأميركية في ألمانيا. وهذا ما تستطيع أميركا تقديمه حتى الساعة، ولا يبدو أن هناك شيء آخر ستكون قادرة عليه، خاصة وأن اميركا اليوم مشغولة ومستنفرة لبدء أية حرب في بحر الصين الجنوبي، وليست بوارد دخول أي حرب في منطقة الشرق الأوسط.

بالتأكيد، لا يستطيع الأميركي بأي شكل من الأشكال ارسال جنوده للقتال البري إلى جانب الصهاينة، علاوة على أن سلاح الطيران سلاح مقيد ولا طائل منه في هذه المعركة، إلا للإستخدام في تدمير المناطق المدنية في غزة. اذ أنه عندما تكون المعركة ما بين أهل الأرض وما بين الغرباء على مساحة محدودة، فهذه الثغرة لا يستطيع الأميركي خرقها لا بالدبلوماسية ولا حتى بالمساندة العسكرية. ونحن نعلم أن الناتو مقيد ولن يستطيع الدخول إلا عبر الأراضي اللبنانية وبأمر أميركي، هذا إذا دخل حزب الله المعركة، ورأيناه وهو يدوس بآليته علمي اسرائيل والولايات المتحدة في الناقورة بحسب طلب الأهالي. والمعركة اليوم تجري في وقت يعاني فيه الكونغرس الأميركي من شلل تام بسبب غياب رأسه، وسبب التعطيل: الخلاف الداخلي ما بين الجمهوريين.

حتى الحديث الأميركي الرسمي عن ضرورة خفض التصعيد، استنكره النواب الجمهوريون في الكونغرس، وقال أحدهم على قناة الـ CNN: "لو هوجمت ميامي فهل سنتحدث عن خفض تصعيد، حتى ولو كان الكونغرس معطلاً ولم يعد قادراً على التحرك واتخاذ القرارات". إذن هناك حالة من الإرباك في داخل إدارات السلطة الأميركية في كيفية التعاطي مع الحدث على الأرض حتى الساعة، وهناك اتهامات من دونالد ترامب لبايدن بأنه السبب في تقوية حماس على حساب "اسرائيل". وعجز الساسة الأميركيون عن الحديث عن مقاومة وطنية فلسطينية شاملة، وحصر المعركة مع حماس يوضح مدى تصلب العقلية الأميركية وقصور الرؤية في تقدير مدى تطور التحالفات في المنطقة وتطور المقاومة في فلسطين، وهذا ما يمكن أن ندعوه بـ"الخرف الإستعماري". خرف غير قادر على أن يقدر كيف تغيرت القوى والمساحات وبأي اتجاه عندما يتعلق الأمر بفلسطين معتقدين أن الإتفاقيات الإبراهيمية يمكنها تحقيق ما لم تحققه القوة الغربية الإستعمارية خلال 70 سنة من استعمار فلسطين.

ضمن التحرك الأميركي، بدأ طوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، الإتصالات الهاتفية مع الدول العربية المطبعة، ومع المملكة السعودية مؤكداً على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكن لم يخطر لبلينكن الحديث عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس، وهذا ما يتمحور حوله حالة الخرف الإستعماري الأميركي حتى الساعة وعدم القدرة على الخروج من عقلية الإستعمار الإستيطاني الذي أعطى الرجل الأبيض الحق في ممارسة القتل الجماعي لأمم وشعوب في أمريكا واستراليا والهند وأفريقيا وآسيا وفي منطقتنا العربية، وهم لا يريدون التعلم من تجربة الجزائر التي طردت المستعمر الإستيطاني الفرنسي بعد أكثر من مئة عام من احتلاله الاستيطاني.

في العام 1973، وخلال حرب تشرين التحريرية، كان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي، ومن أجل وقف الحرب قام بزيارة مصر والتقى أنور السادات بهدف مفاوضة أحد طرفي القتال. جاء كسينجر يومها بعروض تحقيق السلام مقابل الأرض، فهل يستطيع بلينكن أن يقدم هذا النوع من العروض للفلسطينيين وأن يعد بعودة الأراضي الـتي احتلت في السادس من حزيران/يوليو 1967 أي بتحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام؟ بلينكن الذي يزور إسرائيل بالطبع لن يقوم بلقاء السيد اسماعيل هنية، ولا يستطيع التفاوض مع رئيس السلطة محمود عباس، وهو لا يملك أساساً أية سلطة لوقف المقاومة في فلسطين. ما الذي يستطيع بلينكن أن يقدمه للفلسطينين اليوم، وقد أعطت الولايات المتحدة الكيان الصهيوني أقصى ما يطلبه؟ وحتى الدول العربية التي دخلت مصيدة التطبيع لم يعد لها تأثير في تجهيز وتمويل وعمل المقاومة الفلسطينية، بل بات هناك محور يمتد من طهران إلى دمشق وحتى بيروت وغزة هو من يدير هذه الأمور. في الحقيقة لا تستطيع الدبلوماسية الأميركية التعهد بأي تقديمات للشعب الفلسطيني، إضافة إلى أن أميركا عاجزة عن حمل أفكار يمكنها أن تجبر نتنياهو على التخلي عن مشروع توسيع بناء المستوطنات وبدء إخلاء القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وإعطاء الفلسطينيين الحق ببناء دولتهم المستقلة، هذا إذا ما قبل الفلسطينيون بذلك. مازالت المعركة في ايامها الأولى فلننتظر ونرى!


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور