الجمعة 27 تشرين أول , 2023 02:24

الخطاب الشعبوي اليميني في لبنان "لا يقدّم ولا يؤخر"

جعجع وجبور

زينب عقيل

فقط عندما يكون الحديث عدائيًا تجاه الشذوذ الجنسي، تتصاعد الأصوات المنددة بخطاب الكراهية في لبنان، باعتبارها أصوات نخبوية متحضرة في مواجهة الخطاب "المتخلّف". ولكن عندما يكون الخطاب تحريضيًا فتنويًا مندّدًا بالدور الذي يقوم به حزب الله لاحتواء والاستعداد لأي عدوان اسرائيلي مقبل على البلد، يصبح الخطاب الشعبوي المليء بالكراهية مقبولًا لدى تلك النخب التي تميّز نفسها بالتحضّر.

اليوم، تبرز الانقسامات في المنطقة بحسب قربها أو بعدها عن الصراع العربي الفلسطيني. سواء على مستوى الدول، أو على مستوى الجماهير. لدى تقسيم الدول العربية في الشرق الأوسط، فإننا إما نقول دول مطبعة أو غير مطبعة، ولدى تصنيف النخب الحزبية أو المنظمات الأهلية وجماهيرها، فإننا إما نقول ولاؤه غربي مؤيّد للمواقف الأمريكية، أو ولاؤه ووطني وقومي. وفي لبنان، ومنذ عزّ الحركات القومية العربية المناهضة للهيمنة الإمبريالية والاحتلال الإسرائيلي، كانت الفئة ذات الخطاب اليميني المتطرف الذي رفع شعار "لبنان أولًا" حاضرة بقوة، وحاولت عزل لبنان واللبنانيين عن الصراع العربي الفلسطيني، حتى أنهم مكّنوا جيش الاحتلال الإسرائيلي من الاجتياح حتى بيروت، بحجة تصفية المقاومة الفلسطينية. ولا بأس أن يأتي "لبنان أولًا" على ظهر الدبابة الإسرائيلية التي مرّت على آلاف الجثث الفلسطينية واللبنانية حتى وصلت.

توصف الشعبوية عادةً على أنها خطاب سياسي ذو نفس فوقي وسلطوي، يشرح القضايا بطريقة سطحية جدًا، ويعمل على تسفيه الخصم، وإثارة مشاعر العداء لدى الجمهور، واختلاق وتضخيم الخطر القادم من خارج الجماعة أو "الآخر". ولعلّ أبرز مصداق خرج من الشعبوية اليمينية في لبنان هو خطاب "ما بيشبهونا"، وهي عبارة تعبّر عن شعور فوقي لدى المتبنّين لهذا الخطاب. وربطها بعبارة "على مناطقنا ما بقى تقربوا"، التي تعيد خطاب التقسيم المناطقي، الذي يزرع في النفوس إحساسًا بضرورة حماية المناطق من خطر الاختلاط بالآخر. ومن نتائج هذا النوع من الخطابات في لبنان، هو تحريض تلك المناطق، والتي يفترض أنها ستكون آمنة من الضربات الإسرائيلية في أي حرب مقبلة، تحريضها على عدم استقبال أي لبناني "آخر" قادم من المناطق التي "لا تشبهنا". هذا الخطاب الذي صدر عن مسؤول الإعلام في القوات اللبنانية المعروفة بولائها للأمريكيين وبأنها تعتنق مبادئ ممتدة من خطاب "لبنان أولًا" بالصيغة المذكورة أعلاه، سيخدم هذا الخطاب الإسرائيلي بالطبع، في محاولة لتأليب الرأي العام، على أي خطوة يمكن للحزب أن يقوم بها في مواجهة التصعيد المفروض على لبنان والقائم في المنطقة اليوم في مسار القضية الفلسطينية، وردود الفعل العربية حولها، وكان وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، قد نوه  أنه  "إذا تفاقم الوضع في قطاع غزة فلن يكون لكل حكومة في المنطقة الكثير لتقوله فيما يحدث في الشارع أو على الحدود مع إسرائيل". وهكذا فإن قرار الحرب والسلم لن يكون في يد أي حكومة عربية ولا في يد أي طرف إقليمي، بل ستكون حربًا مفروضة، يقررها الإسرائيلي من خلال الاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني.

بالطبع لن يكون متوقعًا من الخصم المختلف معه سياسيًا وأيديولوجيًا، والمرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدوّك، أن يقدّم خطابًا تقريبيًا ومتعاونًا. بل إنّه متوقّعٌ أن يعمد إلى تجييش جمهوره وتسخين منطقته ليُعينَ بها عدوّك عليك. ذلك أن هذا الخصم، مرتبطٌ وجوديًا بعدوّك، وبالتالي سيمكث معه في نفس الخندق في أي معركة مقبلة أو مواجهة. وحتى لو كانت حربًا مفروضة عليك، وأداء السياسيين من أصدقاء أمريكا في لبنان في كواليس حرب تموز لا يزال حاضرًا في الذاكرة.

مهما كان من حال، نختم هذه المقالة بما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حوار الأربعين ردًا على الخطاب الشعبوي في حديث "ما بيشبهونا"، عندما قال بكل هدوء: "فيك تقلي انت مين؟ ما هي صورتك وما هي حضارتك؟ لنرى من يشبهك؟ اتفقوا على صورة لنرى إذا كنا نشبهكم أم لا؟ من قال إنك أنت صورة لبنان؟ هذا منطق لا يقدّم ولا يؤخّر.."


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور