منذ 7 تشرين الأول، ذهب فريق "الهاسبارا" الإسرائيلي، إلى أقصى الحدود. مزيج من التضليل والخداع، والميدان الأبرز، وسائل التواصل الاجتماعي، حيث روجت الدعاية الإسرائيلية سردية مفبركة عن العرب والمسلمين لتبرير الجرائم في غزة. وهددت من خلالها "إسرائيل" باستهداف مستشفيات غزة بدعوى أنه يستخدم "درعًا" لـ "عمليات حماس".
ليست "الهاسبارا" كلمة عبرية عابرة، تعني الدبلوماسية العامة في إسرائيل، إنما هي أيضاً عقيدة استراتيجية. عام 1982، وافق الكنيست الإسرائيلي على استخدام المصطلح لما هو أبعد من الخطاب السياسي كركيزة أساسية في بناء العلاقات الدولية وتعزيز الدبلوماسية الإسرائيلية. أما الهدف فهو تعزيز الدعاية المؤيدة لـ “إسرائيل" من خلال الإعلام التقليدي ومنصات التواصل الاجتماعي.
سردية "حماس طاعون يختبئ في المستشفى"
هي إحدى المنشورات المعممة على حساب الجيش الإسرائيلي على منصة التواصل الاجتماعي (X)، وأرفق بمقطع فيديو يسأل عمّا إذا كان مقر حماس تحت مدرسة، أو جامعة، أو مسجد، أو مستشفى. تتم الإجابة على السؤال بـ "كل ما سبق" بينما يستمر الفيديو في تحديد مستشفى الشفاء، أكبر منشأة طبية في غزة، باعتباره المقر الرئيسي لحركة حماس، وتُتهم حماس باستخدام المدنيين ك "دروع بشرية"، وينتهي الفيديو بالقول:" هذا واقع مأساوي لسكان غزة. وحماس مسؤولة عن ذلك". وليس هذا هو المنشور الوحيد الذي يروج للرواية الإسرائيلية عن تخف حماس وتنفيذ عملياتها من تحت مستشفى الشفاء، بل حسابات رسمية إسرائيلية سواء كان ذلك حساب الجيش الإسرائيلي، أو الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أو مكتب رئيس وزراء الاحتلال، فكلها مليئة بالمنشورات على أكبر موقع في غزة، المستشفى ك"مقر" لحركة حماس. وحتى نتنياهو نشر على حسابه على موقع (X) قائلًا: "حماس وداعش مريضة. إنهم يحولون المستشفيات إلى مقرات لإرهابهم. لقد أصدرنا للتو معلومات استخباراتية تثبت ذلك". وقد شارك مقطع فيديو توضيحي "معتمدًا على المعلومات الاستخبارية".
كارثة الرعاية الصحية في غزة
منذ هجوم حماس قبل ثلاثة أسابيع، أطلقت "إسرائيل" سيلاً كثيفاً من السرديات المزيفة على وسائل التواصل تتضمن صورًا ومقاطع فيديو بيانية. وتتلخص الفكرة، في حشد الدعم لقصفها العنيف واجتياحها البري لغزة من أجل "تفكيك" حماس وإعادة أسراهم، وبالتالي تبرير المجازر بحق المدنيين.
وبينما كانت "إسرائيل" تقصف المناطق السكنية دون توقف، كانت هناك غارة مميتة على مستشفى المعمداني في مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 500 شخص، وفق ما أعلنت وزارة الصحة، مما يجعلها أكبر حصيلة للقتلى في أي حادث منفرد.
وفي اليوم نفسه، تم شن غارة أخرى على مدرسة تابعة للأونروا تقع في مخيم المغازي للاجئين والتي تؤوي حوالي 4000 نازح، بالإضافة إلى مخيمين آخرين للاجئين مكتظين بالسكان. ورفضت إسرائيل تحمل مسؤوليتها عن الغارة على مستشفى المعمداني، قائلة إنها ناجمة عن صاروخ أطلقه الجهاد الإسلامي الفلسطيني بشكل خاطئ.
والآن تهدد إسرائيل باستهداف أكبر مجمع طبي في غزة، مجمع الشفاء، بدعوى أنه يستخدم كمقر رئيسي و"درع" لـ "عمليات حماس". وقصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بالفعل مناطق في محيط مستشفى الشفاء والمستشفيات الإندونيسية في غزة. وليس هذا فحسب، بل قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن مستشفى القدس في غزة تلقى تهديدات خطيرة من سلطات الاحتلال بالإخلاء الفوري لأنه سيتم قصفه أيضًا.
في وقت سابق، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، "في هذه الحرب، كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، ملمحًا إلى أنه إذا لزم الأمر، فسيقومون بشن غارات جوية على المستشفيات.
وفي مؤتمر صحفي يوم الجمعة 27 تشرين الأول، زعم هاغاري أن "حماس حوّلت المستشفيات إلى مراكز قيادة وسيطرة ومخابئ لإرهابيي حماس وقادتها".كما شارك بعض المخططات والتسجيلات الصوتية كـ”دليل” حصلت عليه المخابرات الإسرائيلية لدعم هذا الادعاء. ما يجري حالياً، تغيير البيئة الاجتماعية للقطاع، تمهيدًا لإغاثة دولية وبالتالي إدارة دولية وإقليمية، بالإضافة إلى تغيير ظروف وطبيعة المواجهة، بحيث تصبح كل غزة، معزولة ومحاصرة بالكامل، ويهدف ذلك إلى إخلائها من كل مقومات البقاء والحياة، لكن صمود أهلها لا يزال شعلة تنبض بالحياة والمقاومة.
الكاتب: غرفة التحرير