شكّلت الهدنة المؤقتة التي امتدت لأيام قليلة، عقدةً إضافية بين الولايات المتحدة و "إسرائيل". اذ أن الأخيرة التي لا تزال عالقة في سقف الأهداف التي وضعتها والتي لم تستطع تحقيق شيء منها بعد أكثر من 50 يوماً، تنظر إلى وقف الحرب على طريقة الهدن المتكررة على أنه انتصار لحماس حتى لو أنتج ذلك عودة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية. فيما يدرك البيت الأبيض أن الاستمرار في القتال دون رؤية عسكرية وسياسية واضحة "لليوم التالي" لن يجني إلا مزيداً من الخسائر في الأرواح، وما هو إلا مستنقع لن تغرق فيه تل أبيب وحدها.
منذ ساعات الصباح الأولى التي انتهت فيها الهدنة، واصل جيش الاحتلال قتل المدنيين والأطفال. وهو ما ينذر بأن قرار الاستمرار بالنهج الوحشي الذي سبق الهدنة سيبقى مستمراً. وبتوقع للسيناريو الأسوأ، فإن العمليات ستكون متزامنة بين شمال القطاع وجنوبه.
تتركز المخاوف الأميركية على طبيعة العملية العسكرية الإسرائيلية، خاصة وأن الواقع الجغرافي والديموغرافي للمنطقة الجنوبية تطلب إجراءات عسكرية مغايرة لما كانت عليه العمليات في الشمال. وهذا ما يجعل احتمالية الخطأ أكبر عند الجيش الإسرائيلي الذي حشد أعداداً كبيرة من الجنود الاحتياط غير المدربين على التعامل مع حرب بهذا النوع.
لم يقتصر التحذير الأميركي للكيان ضمن القنوات الدبلوماسية السرية، بل ان الإدارة الأميركية أبدت على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، الذي التقى مسؤولين إسرائيليين في لقاء وصف بالـ "مشحون" أن رفضها لقبول الطرح بشأن استمرار الحرب على غزة، كما كان الوضع قبل الهدنة الحالية.
ورداً على قول وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن "العملية ستستغرق أشهراً"، رد بلينكن: لا أعتقد أن أمامك أشهراً. لديكم أسابيع لا أشهر".
من جهتها، ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أنّ بلينكن وجّه رسالة "عالية النبرة" لإسرائيل، وناشد قادتها فيها "عدم استئناف هجومهم على قطاع غزة المكتظ بالسكان، قبل أن يضعوا خطة لحماية المدنيين، وحثّهم على الامتثال للقانون الدولي الإنساني". فيما وصفت المحادثات بين الجانبين على "الأصعب حتى الآن". ولفتت إلى أن المسؤولين الأميركيين يشعرون "بعدم الارتياح بصورة متزايدة إلى الطريقة القاسية، التي تقاتل عبرها القوات الإسرائيلية".
تعكس هذه التصريحات التغيّر الواضح في تقييمات الإدارة الأميركية لأيام الحرب. اذ أن ما بدا في الساعات القليلة التي تلت 7 أكتوبر "كإستراتيجية احتضان"، ترجمها الرئيس جو بايدن بالتزامه تقديم الدعم الكامل والمكثف لحليفته، أضحت اليوم استراتيجية أكثر حذر، ينأى فيها المسؤولون الأميركيون عن مناقشة الصحفيين في تفاصيل العمليات وما بعدها.
وعلقت القناة الـ 12 الإسرائيلية على اللقاءات التي جمعت مسؤولين من كلا الطرفين وقالت أن "خلافات نشبت بين إسرائيل والولايات المتحدة بخصوص القتال في جنوبي غزة". مضيفة أن "بلينكن زار إسرائيل للمرة الرابعة منذ بداية الحرب، والتقى مسؤولين كباراً في المستوى السياسي، واللهجة كانت قاسية، ووصلت إلى مواجهة في جلسة كابينت الحرب". وبحسب ما نقله مراسل الشؤون السياسية في القناة، يارون أفراهام، فإن "لقاءات بلينكن كانت مشحونة، وأعرب فيها عن خشية وانتقاد كبيرين جداً بخصوص الخطوات الإسرائيلية العسكرية والسياسية... بلينكن التقى أعضاء كابينت الحرب، وحصل من رئيس الأركان هرتس هليفي على عرض، وفيه مبادئ مفصلة جداً بشأن القتال المخطَّط جنوبيَّ قطاع غزة، وهذه كانت اللحظة التي ظهرت فيها المواجهة".
على الرغم من تأكيد واشنطن على دعمها المتواصل للكيان في حال اختار مواصلة حربه على غزة، تتزايد الميادين التي تشهد على بذور الخلافات التي بدأت تنمو بالفعل، والتي تنذر أن هذه الحرب ستكون مفصلية أيضاً على شكل العلاقة مع الكيان بعد انتهائها. وتذكر صحيفة يديعوت أحرنوت في هذا الصدد، أن "مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية صرّح ان إدارة بايدن أبلغت إسرائيل أن واشنطن ستمنع المستوطنين المتطرفين الذين شاركوا في أعمال عنف ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية من إصدار تأشيرات الدخول في الأسابيع المقبلة".
الكاتب: غرفة التحرير