لم تكن تصريحات وزير الخارجية السعودية الأخيرة مفاجئة في ظل تواتر الأحداث بعد اتساع رقعة المواجهات إلى غير جبهة ربطاً بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. لكنها كانت لتكون كذلك، لو أنها أتت قبل أشهر من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، عندما كانت المفاوضات بين المملكة وكيان الاحتلال في أوجها، وكان الثمن الذي يتوقعه البلاط احتضان أمني أميركي دون مزيد من التفكير بحل أخير للقضية الفلسطينية والتي كانت المقاربة حينها تتوقف فقط على اخراج اعلامي لصورة المصافحة الأخيرة بين رئيس الكيان وولي العهد.
أعلن وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إنه لا يمكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية، داعياً إلى وقف التصعيد في غزة. ورداً على سؤال خلال ندوة بالمنتدى الاقتصادي العالمي عما إذا كان بإمكان السعودية، في هذا السياق، الموافقة على الاعتراف بإسرائيل كجزء من اتفاق أوسع، أكد بن فرحان على أنهم "متفقون على أن السلام الإقليمي يشمل السلام لإسرائيل، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا من خلال السلام للفلسطينيين من خلال دولة فلسطينية".
هذا الشرط الذي وضعته الرياض أخيراً، للمضي قدماً في صفقة التطبيع، ربما تدرك أنه سيسقط في أول جلسة تفاوض جديّة بين الطرفين. اذ ان "إقامة دولة فلسطينية" طرح قد أثبت فشله مع عدم استعداد الشعب الفلسطيني في تقديم هذا التنازل الكبير الذي يتعارض مع قضيتهم القائمة على وجوب التحرير، تماماً بالنسبة للمخاوف الإسرائيلية التي زادت بعيد 7 أكتوبر والتي جعلت من قبول الحكومة الاسرائيلية بقيام دولة فلسطينية أمراً سيثير انقسامات إضافية.
تبدو التصريحات السعودية حول الرغبة بالتطبيع مع وضع شروط إضافية وكأنها أقرب لمصلحة سعودية أكثر مما هي إسرائيلية في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة. سابقاً، كانت المصلحة الإسرائيلية في التطبيع مع الرياض تقوم على سلخ المملكة من أي تموضع متوقع قد لا ينال الرضا الأميركي الإسرائيلي. بالإضافة إلى محاولة تصفية القضية الفلسطينية شيئاً فشيئاً ويصار إلى تحويلها إلى ما يشبه بازار سياسي يقدم كإنجاز لحكومة بنيامين نتنياهو او الرئيس الأميركي المنتخب. لكن ما فعلته عملية السابع من أكتوبر، قلبت الحسابات لمختلف الدول الإقليمية أولاً ثم اعادت خلط الأوراق الأميركية في المنطقة وجعلت المملكة في موقف صعب.
اتخذت الرياض موقفاً يبدو أقرب للحيادية من الأحداث المتسارعة في المنطقة. اذ انها لم تبد المملكة رغبتها في التدخل المباشر في القطاع بل اكتفت ببيانات فضفاضة تدعو إلى وقف التصعيد، في المنطقة. وبحسب المعلومات الواردة، عرض على الرياض ارسال قوات تشارك في انتشار عربي كقوات حفظ السلام على الحدود الفاصلة بين القطاع والمستوطنات في غلاف غزة، كما لعِب دور في إعادة الاعمار وهندسة الدولة الفلسطينية المفترضة خلال هندسة اليوم التالي للحرب. لكن الرياض التي اشترطت استبعاد دول عربية أخرى محددة من المشهد كان أشبه برفض مقنع، نتيجة علمها بصعوبة تطبيق هذا الشرط. ولو أن الاقتراح قد لا يبصر النور أساساً.
بالنسبة للبحر الأحمر، أبدت الرياض غير مرة رغبتها في عدم التصعيد وانتبهت لعدم الانحياز المتطرف في بياناتها وهذا ما رافقه رفض مبدئي بعدم المشاركة في تحالف حارس الازدهار الذي تقوده واشنطن. كل ذلك يسلط الضوء على حسابات ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كان يطمع بهدوء متزايد في المنطقة، بعيد التوصل إلى اتفاق وقف الحرب مع اليمن والتطبيع مع كيان الاحتلال مع مظلة حماية أميركية ومشروعات اقتصادية ناجحة. لكن هذا الحياد العلني لا يعكس حقيقة الواقع المفروض على الدولة العميقة في البلاط، فالمملكة المصادرة أميركياً مجبرة بشكل او بآخر بالاستجابة للمخاوف والمعضلات الإسرائيلية الأميركية متى تطلب الأمر وهذا ما يفسر المساعدة التي تتلقاها شركات الشحن المتجهة إلى كيان الاحتلال والتي تقوم بتفريغ البضائع في موانئ البحرين ودبي حيث يتم تحميلها على شاحنات سعودية وأردنية وتشق طريقها إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.
الكاتب: غرفة التحرير