الأربعاء 24 كانون الثاني , 2024 05:25

فوبيا توحيد الساحات

من منبر القدس أقرب

منذ أن بدأ العدوان على غزة على مرأى ومسمع من العالم المتحضر ودعاة الإنسانية، ومنظمات الأمم المتحدة والعدل الدولية، وكل الشعارات الكاذبة ونحن نسمع عن خوف مستعر من توحيد الساحات في وجه الجرائم الصهيونية المستمرة. فمن هو ذلك الكائن الذي يخشى توحيد الساحات؟ ولماذا يخشاها؟

كل الكائنات شبه البشرية التي تنبح صباح مساء في وجه مشروع مقاومة الجرائم الصهيونية في فلسطين لها تاريخ حافل من العمالة والخيانة تعتز به وتتفاخر؛ بل طالما كان لها شرف المشاركة في المجازر التي خطط لها العدو الإسرائيلي إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982حيث قامت هذه الكائنات الوطنية بتنفيذ المجازر وقتل اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء استجابة لمطالب ولي الأمر شارون.

إن أخشى ما يخشاه العدو الإسرائيلي اليوم هو مشروع توحيد ساحات الوطنية والنخوة والعزة والكرامة والإنسانية، والثورة على الظلم، وتحقيق الحرية الحقيقية للبلاد وللعباد، والوقوف في وجه الأحلام والمشاريع الصهيونية في بناء دولة إسرائيل الكبرى التي تخطط لابتلاع العالم العربي وصولا إلى بلاد الحرمين الشريفين. فمن أخطر ما تخشاه الصهيونية العالمية وأذنابها في العالم اليوم هو توحيد الساحات المقاومة ضد النازية الصهيونية التي يقف إلى جانبها دول كثيرة طالما أعطت العالم دروسا في الإنسانية.

أما توحيد ساحات القتل والجريمة والمجازر والهدم والإبادة الجماعية فهذا هو الدافع الأساسي الذي يحمل حكام ودول العرب المتصهينين إلى التفرج بفرح وسرور تجاه ما يحصل في غزة، بل هذا الذي يجعل أفراحهم كل يوم تتكلل بحفلات ماجنة صارخة - في بلاد الحرمين - على أنقاض عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى المدنيين الصامدين في وجه المشروع الصهيوني المدعوم من قبل معظم حكومات الدول العربية ماليا ومعنويا؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أعظم خيانة للأمة في التاريخ الإنساني.

لربما خطر على بال أحدنا أن المبالغة تسيطر على نفوسنا، وأن الأزمة فعلت فعلها بنا نحن الذين رفضنا الظلم والهوان وأيدنا المظلوم مهما كان الثمن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه:

هل يمكن أن يقيم بلد عربي حفلاته الماجنة على أنقاض الشعب الفلسطيني غير آبه لعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى إذا لم يكن مشاركا وله اليد الطولى بكل ما يحدث؟!

وإذا لم يكن لهذه الحكومات أي تدخل بما يحدث في فلسطين، فأي غاية نبيلة هي تلك التي تحمل الحكومات على فتح أبواب المهرجانات على وسعها مخدرة الشعوب العربية بحفلات ماجنة تبذل في سبيلها ملايين الدولارات لتكرم ساقطا من هنا وساقطة من هناك ولاقطا من هنالك... والكل يعلم يقينا أن غرضها الأساس هو لفت الأنظار وتحويل الإعلام عما يحدث في فلسطين بغية القضاء على ساحات النخوة والرجولة والشهامة التي باتت عند أعراب اليوم مجرد شماغ يوضع على رؤوس فارغة إلا من العمالة والخيانة لقضايا الأمة.

لذا تبذل تلكم الحكومات كل ما تملك في سبيل القضاء على الساحات المقاوِمة للعدو الصهيوني، كما شاركت منذ قرن في خيانة بيت المقدس والقضاء على شعب أعزل سلّمت أرضه للعدو الصهيوني كي يذبحهم ويطردهم من أرضهم بلا شفقة ولا رحمة، وليقيم على أنقاض دمائهم وأشلائهم كيانا لقيطا يُدعى إسرائيل، يعترف به دول العالم المتحرر الديموقراطي!! ويُطَبِّع معه معظم الدول المجرمة في العالم العربي!

وإذا كانت معظم الحكومات العربية والغربية داعمة للداعشية الصهيونية، فإن مشروع توحيد الساحات المقاومة للصهيونية العالمية هو الذي يحمل صهاينة الخارج على تهديد كل شريف يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني المذبوح، لذا تثور أمريكا وأذنابها من أجل سفينة تُمنع من عبور باب المندب، لكنها لا تحرك ساكنا من أجل شعب يُباد في مجازر يومية.

وهذا أيضا ما يحمل صهاينة الداخل على النباح خوفا من انتصار محور المستضعفين، ومن عودة الحق إلى أهله، لأن انتصار الساحات المقاومة يكشف هويتهم الصهيونية للعلن، ويظهر حقيقة انتمائهم الوطني إلى العدو الصهيوني ومشاريعه حيث يستشرسون في تبرير جرائمه المتتالية وانتهاكاته الصارخة لأرض الوطن ولسماء الوطن ولشعب الوطن الحر الرافض للعمالة والخيانة، ما يؤكد انتماءهم لوطن ليس من الوطن الذي يدعون الانتماء إليه في شيء؛ وما أبرعهم في انتقاد الأبطال الذين يقفون على حدود الوطن مكافحين مقاومين العدو باذلين أرواحهم ودماءهم فداء لترابه.

تاريخ العمالة يتجدد اليوم ويتمظهر بأجلى ما يكون لنعرف عدونا أكثر، ولئلا ننسى تاريخه الأسود وجرائمه التي مارسها في خندق واحد مع أرئيل شارون في صبرا وشاتيلا. فهل من مفكر عاقل يستطيع إنعاش ذاكرته واكتشاف الحبل الوثيق الذي يربط ما بين صهاينة الخارج وصهاينة الداخل الذين يتذرعون بالوطنية وانتماء المقاومين لمشروع الولي الفقيه المناصر للمظلومين والمقاومين سنة وشيعة ومسيحيين بلا تمييز، ويظنون أن الأمة نسيت ولاءهم للولي الفقيه الشاروني المجرم، والذي كانوا أقذر أداةٍ من أدواته؟!

ليستحِ الزعماء والساسة والعلماء والخطباء، وليعودوا إلى رشدهم، وليقفوا إلى جانب المظلومين والشرفاء، فهم يعرفون أن فلسطين هي الهدف الأول وهي جس النبض، ونحن لا محالة سنكون الهدف التالي الذي تقع عليه المجازر والقتل والهدم والدمار بمباركة أممية وعربية وعالمية. وسيقف كل المجرمين والعملاء مع المشروع الصهيوني الذي باعوه ضمائرهم أوطانهم ووطنيتهم وإنسانيتهم بثمن بخس ليكونوا حمير صهيون وساحة من ساحاته.

فليختر العقلاء إما ساحات الإنسانية التي يدعمها الولي الفقيه المؤمن بإنسانية الإنسان والعدالة والمبادئ والقيم والحقوق، وإما ساحات القتل التي يدعمها الولي الصهيوني الذي فتّت الأمة ولا يزال يسعى خلف تفتيت المفتت من خلال أذرعه المتسترين بالوطنية والعروبة، ودروعه المحاربين عنه والمحاورين بلسانه، والإعلام الذي يعيش على نفقاته ليبث الأكاذيب والانحلال ويشوه الحقائق.

ألا ما أعظم الانتماء إلى ساحة الشرفاء ومواكب الشهداء المقاوِمة جيوشا من الجبناء والعملاء...!!!  

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


مرفقات


الكاتب: الشيخ الدكتور عبد القادر ترنني




روزنامة المحور