الأربعاء 31 كانون الثاني , 2024 12:26

هجوم يوم الأحد خطوة نحو بدء انهيار الجدار

البرج 22 في الأردن

ضربت المقاومة العراقية يوم الأحد الماضي أربعة قواعد أميركية واحدة في الأردن وهي البرج 22 الذي يبعد 3 كم عن مخيم الركبان في البادية السورية، والتنف في البادية السورية، والشدادي في الحسكة، والذي يتم فيه تدريب قوات قسد الإرهابية، وأخيراً منشأة زفولون البحرية في فلسطين. تكتسب الضربة أهمية خاصة فقد اختارت المقاومة قواعد لها رمزيتها الخاصة، وخاصة تلك التي تقع في الأردن، والتي تكشف عمق التآمر على سوريا وفلسطين والعراق.

جاءت نتائج العمليات موجعة للأميركيين، بقدر ما أوجع الأميركي باغتيال الشهداء في العراق وسوريا في الأيام الماضية، فقد أعلن البنتاغون الأحد، رسمياً عن مقتل 3 من جنوده في هجوم طائرة مسيرة، وجاء في الخبر: "إن ما تعرضت له القوات الأميركية في الأردن تصعيد خطير". فنحن نتحدث عن البرج 22، الذي يقع، بحسب رويترز، في مكان استراتيجي في أقصى الشمال الشرقي عند التقاء حدود الأردن مع سوريا والعراق. وعلى بعد 3 كم من قاعدة الركبان، والتي تقع هي الأخرى في داخل الحدود الأردنية وعلى مقربة من الحدود السورية.

وبذا فإن أهمية البرج الإستراتيجية كبرج مراقبة، يعتمده الأميركيون من أجل مراقبة عائلات داعش المحاصرين في المخيم. وتظهر نظافة المقاومة عبر استهدافها البرج وتجنب قصف الأطفال والنساء في الركبان. بحسب ما كتبه شاي ليفي في هآرتس فإن البرج 22 هو قاعدة غير معروفة وهي تبعد 600 متر عن الحدود السورية.

قاعدة التنف تمثل مركزاً أساسياً بالنسبة للأميركيين، فهي التي يعتمد عليها في الجمع الأمني في رصد تحرك السلاح القادم من إيران والعراق والذي تتزود به المقاومتان في فلسطين ولبنان. وثانياً، خلال السنة الماضية وأثناء تحركات السويداء، والتي كادت أن تصبح درعا 2011 أخرى، كانت تدار التحركات والمظاهرات في السويداء بشكل مباشر من قاعدة التنف، وهي التي وضعت على عاتقها مهمة تنفيذ قيام دويلة مستقلة تمتد من البادية السورية عبر السويداء إلى حدود الجولان. وكان أهم أسباب تراجع العمل على هذا المخطط هو انطلاق عملية "طوفان الأقصى". وقالت شبكة "سي ان ان" إن مهمة هذه القاعدة هو تقديم المشورة والمساعدة، وبحسب الأسوشيتد برس فإن في الأردن 3000 جندي وضابط أميركي.

يقع البرج 22 قريباً من مخيم الركبان، وقتل بعد قصفة 3 جنود أميركيين، وأصيب 34 ماتزال حالاتهم تحت التقييم. وهو مخيم يضم عائلات داعش وقياداتها، التي منحتها القيادة الأميركية تسميات مختلفة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. كما يقع البرج عند التقاء الحدود الأردنية السورية في أقصى الشمال الشرقي للأردن، وعند التقاء الحدود الثلاث، سوريا- العراق- الأردن. يعد ضرب التنف والبرج 22 تهديداً حقيقياً ومحتملاً لقاعدة السلطي "قاعدة الأزرق". كما أنها بداية لضرب معاقل الإرهاب في البادية السورية، خاصة بعد ضرب قاعدة خراب الجير، وقاعدة الشدادي، وهاتان القاعدتان تعدان مراكز تدريب لداعش وقوات قسد. واذ كانت الضربات في البداية هي من أجل إيجاع الأميركي والصهيوني وحمل كتف عن غزة، فضربات يوم الأحد تعتبر مخططاً استراتيجياً مهماً على طريق تحرير العراق وبلاد الشام من الأميركيين.  

اللافت هو في ردود الفعل في الدولتين المعنيتين بالضربة الأردن والولايات المتحدة. فالأردن استنكر بالتأكيد، واعتبر أن الأردن يتعاون مع هذه القوات في تأمين الحدود ومواجهة خطر الإرهاب وتهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية، وأنه سيتصدى لإنتهاك سيادة الأردن، فهل سيدخل الأردن في سجال متوتر مع العراق، أم مع سوريا. ولا ينبغي أن ننسى غرفة الموك في الأردن التي أدخلت الإرهابيين والسلاح والمخدرات إلى درعا منذ العام 2011، وإلى السويداء في العام الماضي. لم يطعن الأردن جارته الشقيقة في الشمال بالظهر فقط، بل يستمر اليوم بالوقوف صامتاً أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من مؤامرات وتنتهك سيادته كل يوم في وادي عربة عبر اقتطاع أراضي الأردن وحصر إدارتها من قبل جاره الصهيوني.

وأما الإدارة الأميركية، والتي بررت وجود قواتها، عبر تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي وقوله "نحن لا نسعى إلى التصعيد"، "لكننا سنفعل ما هو مطلوب لحماية أنفسنا ومواصلة تلك المهمة، والرد بشكل مناسب على الهجمات"، أي أن أميركا تحتفظ اليوم ب"بحق الرد".

وأما المسيّرة التي ضربت موقع البرج 22، فقد مرت دون أن تُكتشف، فلأن الأميركيين كانوا يتوقعون عودة مسيّرتهم، وهو ما خلق حالة من "عدم اليقين"، كلام سخيف موجه للجمهور الأميركي تحديداً! ولكن ماذا عن المسيّرات التي ضربت الشدادي والتنف ومنشأة زفولون البحرية في فلسطين، فهل كانوا في طريق العودة أيضاً؟

بالتأكيد إدارة بايدن التي تعتبر أن عملية "الحل المتأصل" الذي يستأصل داعش من المنطقة مستمرة، ولكنها لا ترغب في اندلاع صراع اوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بعكس منافسي بايدن ومنهم جون كورنين، النائب عن تكساس، الذي طالب عبر منصة [X] بالرد على طهران، مستدركاً، أنه لا يقصد المدينة، بل حرس الثورة وقوة القدس.

صحيح أن إيران تدعم قوى وحركات المقاومة في المنطقة، ولكن تنسى أو تتناسى أمريكا دائماً أن إرادة الشعوب في التحرر هي من يحرك العالم معها. كما أن إدارة بايدن وغيرها من الإدرارات لا تستطيع الرد في طهران، إلا إذا اتخذت القرار ببدء حرب شاملة في المنطقة وهي تعرف خطورتها وتداعياتها الإقليمية والدولية والكلفة الباهظة لها. والحقيقة الأهم المرتبطة بالضربات الموجهة ضد الأميركيين، أن هناك جداراً قد تم خرقه، وبات من الصعب سد الثغرات المتلاحقة فيه، والتي ستؤدي قريباً إلى انهياره. وهو جدار الوهم الذي بنته الولايات المتحدة حول نفسها بأنها قوة عظمى لا تُهزم، وأن التحالف الذي بنته مع حلفائها في المنطقة لا يمكن أن يُمس، ونسيت أن "نقط الشتاء لابد أن تخرق جدار القلعة".

إن أمريكا وتحالفها الغربي تتلقى الضربات البحرية اليمنية المتتالية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وهي تلقت الضربات الإيرانية في المحيطين الهندي والهادئ، وتتلقى اليوم ضربات المقاومة في العراق وسوريا، ومنذ الأحد في سائر بلاد الشام في فلسطين والأردن، وحليفتها الحقيقية في المنطقة، إسرائيل التي صنعتها، غير قادرة على الصمود أكثر وهي تتلقى اللكمات من لبنان وفي فلسطين. وتتالي الضربات سيؤدي حتماً لإنهيار الكيان، وانهيار الجدار، الذي بنوه منذ أكثر من 75 عاماً.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور