الثلاثاء 20 شباط , 2024 03:38

ميليشيا قسد يتحسسون رؤوسهم بعد ضربات المقاومة

مسلّحين من ميليشيا قسد الكردية

منذ بضعة أسابيع التقيت بأشخاص من الإدارة المحلية الكردية في إحدى المناسبات، أبدى قلقاً غير طبيعي بسبب قصف المقاومة العراقية لمواقع الأميركيين تضامناً مع طوفان الأقصى. كنت قد التقيت هذا المسؤول من قبل وأخذت منه حديثاً كاملاً، نشر على موقع الخنادق، ضمن مقال عن الأكراد في سوريا. ونعلم علم اليقين أن مصير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وإدارتها الذاتية مرتبط بشكل مباشر بوجود القوات الأميركية المحتلة في العراق وسوريا. واليوم وبعد أن بدأت ضربات المقاومة تنهال على رؤوس الأميركيين، وتستهدف مواقعهم في سوريا كما العراق، باتت ميليشيات قسد يتحسسون رؤوسهم.

الإدارة الذاتية الكردية، كما قلنا هي عبارة عن تجمع للأكراد، ليس أكراد سوريا فقط، والذين يشكلون مجموعاً قليل العدد والذين نزح معظهم إلى شمال سوريا خلال فترة المجازر التي نفذها أتاتورك بأكراد تركيا خلال الأعوام 1926- 1930. وبات من المعروف أنه خلال الحرب على سوريا ومنذ العام 2011، نزح العديد من الأكراد الأتراك وأكراد جبال قنديل من أجل الإنضمام إلى القوات الكردية لمحاربة داعش، وذلك بعد سبي داعش لنساء الأكراد الإيزيديين وذبح رجالهم، خاصة الذين يقطنون جبل سنجار في العراق، والمناطق الشمالية الغربية من سوريا، وبالتحديد حول المناطق الغنية بالنفط.

نزح قسم من الأكراد إلى سوريا من العراق بعد الحرب الإيرانية –العراقية المفروضة، اذ هاجم صدام حسين الأكراد في الشمال بسبب محاولتهم استغلال مرحلة الحرب من اجل بناء دولة مستقلة في شمال العراق. وخلال فترة حصار العراق بعد حرب الخليج الثانية، بدأ تعامل الأكراد مع الأميركيين والغرب، وقدموا أنفسهم كحلفاء لهم في منطقة بلاد ما بين النهرين.

بعد أن شن رئيس العراق السابق صدام حسين الحرب على الكويت، وبضوء أخضر أميركي في العام 1990. انقلب الأميركيون عليه، وبدأت عملية عاصفة الصحراء في شباط، فبراير 1990، واستمرت عاماً كاملاً تقريباً. ثم وقع العراق تحت الحصار، وكان النفط يبادل تحت شعار، "النفط مقابل الغذاء". ازدادت سوء الأحوال المعيشية والصحية في العراق بسبب الحصار، وضعفت الحكومة المركزية، وعاد في هذه المرحلة مشروع الفيدرالية الكردية في العراق. منح صدام حسين الأكراد أراض عربية عراقية للأكراد في محاولة فاشلة لكسب ود الأميركيين من أجل تخفيف الحصار، وهذا ما لم يحدث. ولكن أثبتت السنين المتعاقبة عمق تعامل تنظيمات كردستان العراق ليس مع الأميركيين فقط بل حتى مع الموساد الصهيوني أيضاً.

خلال السنوات الماضية وبعد انطلاق الخريف "العبري" في سوريا في العام 2011، كانت هناك تحركات انفصالية وإرهابية في سوريا، وشهدت منطقة الجزيرة السورية وخاصة تلك الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد التحركات الكردية مرة أخرى، وكانت هذه المرة مدعومة من التحالف الغربي بشكل مباشر. في العام 2014، بعد أن اجتاحت المجموعات الإرهابية "داعش"، أهم المناطق التي تعتبر المصدر الأكبر للقمح والنفط السوريين وسيطرت على مناطق النفط. فمنطقة الجزيرة السورية في شرق الفرات تشكل الخزان السوري الأهم للنفط، وهو الموقع الذي قرر ترامب عسكرة القوات فيه منذ العام 2018، بعد أن تراجع عن قرار الإنسحاب من سوريا. ومن هنا بدأت العلاقة بالترابط المباشر والواضح ما بين قسد والقوات الأميركية.

ادّعى الأميركيون، أن نفط سوريا سيذهب لتمويل الإدارة الذاتية وقسد بالذات التي ساهمت في حرب التحالف على الإرهاب الداعشي، وكانت رأس حربة معهم. ومع أننا نعلم والأميركيون يعلمون أن كلام دونالد ترامب خلال حملته الرئاسية في العام 2016، بأن هيلاري كلينتون وإدارة أوباما هم من أنشؤوا داعش ودعموها في العراق كلام دقيق، ووعد يومها بخروج الأميركيين من سوريا، لكنه واجه يومها معضلة رفض المؤسسات الأمنية الأميركية.

لم يكن الرفض لدواع أمنية فقط بل كان من أهم أسبابها: تشكل طبقة أوليغارشية أميركية من العسكريين وكبار الضباط الأميركيين الذي يتشاركون بحصص بملايين الدولارات، وللأسف لا يوجد احصائيات، ولكن هناك تأكيد على أن هؤلاء الضباط يتشاركون بالحصص مع شركات النفط الأميركية، معظم هؤلاء العسكريين والضباط  أتوا من شركات أمنية أميركية، وذلك بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والتي تتشارك مع الشركات الأميركية. و"قسد" صاحبة حصة مهمة جداً من عوائد النفط من الحقول السورية لدعم تمويلها واستمرارية وجودها وتسليحها. وتستخدم أموال النفط السوري في الدعم الأمني لإستمرار السيطرة على حقول النفط والغاز ومنع "نظام الأسد" من الإستفادة منها، بحسب تعبير كاتب المقال كنيث آر. روزين.

تحدث عن الأوليغارشية الأميركية مصدر لبناني مطلع، ويبدو أن من أهم أسباب تمركز الأميركي وحماية قسد له هو تشارك الحصص، وبحسب المصدر اللبناني فإن هؤلاء الضباط يشكلون أحد أهم أسباب عرقلة الخروج الأميركي من سوريا، وهؤلاء "العلق"، هم من أقنعوا ترامب بضرورة البقاء وامتصاص النفط السوري، وهذا ما قاله ترامب تحديداً في العام 2019، "نحن هناك من أجل النفط".

يتشارك التنظيمات الكردية، قسد وميليشيات كردستان العراق، العلاقة المباشرة والقوية مع الأميركيين والصهاينة على حد سواء، وقد بدأت هذه العلاقة بالنمو منذ ثمانينات القرن الماضي، والتقت الأهداف مع الأميركيين بإعادة تقسيم المنطقة وإنشاء دولة كردية، كان مخطط لها أن تمتد عبر الأراضي السورية إلى شاطئ المتوسط السوري، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وفي سؤال قديم للمسؤول، الذي "صادفته"، حول مؤتمر أربيل للسلام والذي استضاف "إسرائيليين" وعن العلاقة معهم، قال يومها وبشكل عرضي، لقد قلنا لهم في أربيل وفي سوريا أن يتحفظوا خلال الحديث عن هكذا لقاءات. التقيت المسؤول منذ أسابيع خلال مناسبة اطلاق جمعية تعنى بحل النزاعات في لبنان، قال ممازحاً: "يبدو أننا سنطلب من [مضيفنا] أن يكون مشروعه الأول إدارة أزمتنا مع الدولة السورية من أجل طرح تسوية معهم".

سألته: "لماذا هل ساءت الأحوال بعض قصف المقاومة العراقية للمواقع الأميركية؟ وهل طالكم القصف؟". تلكأ قليلاً ثم قال: "لا شيء يبشر بالخير ونحن في وضع حرج جداً". بالتأكيد بات الوضع حرجاً، مما يعني أمراً واحداً على صعيد بناء فيدرالية شرق سوريا أو "غرب كردستان" كما يرغبون بتسميتها. هم لم يفشلوا في التفاهم مع الدولة السورية، ولكنهم فشلوا في لي ذراع الدولة التي تنأى تحت ظروف اقتصادية صعبة فرضها الحصار الأميركي، وأرادت قسد فرض تسوية العراق مرة أخرى. ولكن الأوضاع لا تبشرهم بالخير بعد انطلاق المقاومة، ويبدو أن الأميركيين قد أبلغوهم بطريقة ما بأنهم راحلون يوماً ما، وليس من خيار أمامهم سوى الفرار إلى كردستان العراق أو العودة إلى جبال قنديل أو الهرب على الطريقة الأفغانية على متن طائرات النقل الأميركية. وهذا معناه نهاية الحلم الكردي باقتطاع أرض ليست لهم لقيام دولة عليها على الطريقة "الإسرائيلية بالذات"، بعد أن زوّروا، تاريخاً لا وجود له، وعندما واجهتُ من التقيت بحقائق الجغرافيا والخرائط العثمانية القديمة، التي يختبأ وراءها "كذباً"، تبدّلت أساريره كأنك تتحدث مع صهيوني مذعور.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور