ذكرى تأسيس الناتو: خلاف على المشروع والأهداف؟

يحتفل دول حلف الناتو في ذكرى تأسيسه في خضم مشهد دولي مليء بالأحداث هي نتاج حقبة من السياسات التي شاركت بهندستها عواصم تلك الدول. وفي الوقت الذي يعاني الحلف حالياً من أزمة باتت تقف عائقاً أمام تنفيذ أهدافه، وكشفت حرب أوكرانيا عمق الأزمة ومدى تأثيرها، يجادل البعض حول جدوى دعمه، وعلى رأسهم المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، الذي أعرب عن ذلك علانية.

بالنسبة للجزء الأكبر من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت قيمة حلف الناتو لا تحتمل شكوكاً، على اعتباره حصناً ضد الاتحاد السوفياتي، وفوائده على أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة. وكان يعد على انه واحدة من أكثر الهياكل الجيوسياسية قبولاً في القرن العشرين. ونتيجة تقديمه على أنه "رادع عسكري"، كان على التحالف أن يثبت أنه لا يمكن تعويضه او الاستغناء عنه.

هذه الفكرة التي آمن بها الرؤساء الأوروبيين طيلة سنوات مضت، باتت قابلة للنقاش. حتى ان اجتماعاتهم التي لا تخلو عن الالتزامات المالية والعسكرية للحلف، باتت لا تخلو أيضاً من شكوى الأزمات الاقتصادية لدولهم.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن "الناتو معرّض لخطر الموت الدماغي". تماماً كما أشار ترامب، غير مرة، إلى عدم جدوى بقائه وأنه عبء على بلاده".

يجري الناتو مناورات تمتد من 18 كانون الثاني/ يناير الماضي حتى أواخر أيار/ مايو القادم بمشاركة 90 جندياً من قوات الحلف. تأتي هذه المراسم وسط مخاوف متزايدة من هزيمة باتت تتبين ملامحها في الحرب مع روسيا، في ظل تحدي خفض الدعم العسكري لكييف. كما أظهرت وثيقة عسكرية ألمانية، توقعاً بنشوب حرب واسعة بين الحلف وموسكو في صيف عام 2025، للدفاع عن دول الجبهة الشرقية وهو ما قال الحلف إنه مجرد سيناريو محتمل، بينما سخرت منه المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، ووصفته بـ"توقعات الأبراج الفلكية".

رغم أن الحرب في أوكرانيا حفزت معظم الدول الأوروبية على الرفع انفاقها العسكري ودفعت بالحلف للرفع من جاهزيته العسكرية وزيادة أعضاء جدد كالسويد وفنلندا، فإن هناك نقطة محورية تقف عقبة في طريق توحيد المواقف بين دول الحلف، ويتعلق الأمر بحجم الإنفاق العسكري لكل دولة من دوله. إضافة لذلك، يأتي تآكل الردع ومخاطر الانكشاف في آسيا والتحديات التي تفرضها روسيا والمخاطر التي تسببها الصين، وتراجع الدعم الأميركي نتيجة عدة عوامل وما أنتج ذلك من اختلاف في المصالح برزت خلال ولاية ترامب تحديداً.

انضمت بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى الناتو في 29 آذار/مارس 2004، ليصل إجمالي أعضاء الحلف إلى 26. بدأت الدول السبع مفاوضات الانضمام بعد فترة وجيزة من انهيار الاتحاد السوفيتي ودعيت في النهاية للانضمام إلى قمة براغ في نوفمبر 2002. وقد تم قبول مجموعة أخرى من الأقمار الصناعية السوفيتية السابقة بما في ذلك بولندا وجمهورية التشيك قبل عدة سنوات.

سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، أكد في إطار حديثه عن فرض الأجندة الأميركية على ان "بناء سياسة الناتو بأكملها تتم تحت قيادة الولايات المتحدة". وأضاف "إنها تستخدم الحلف للحفاظ على وجودها العسكري في أوروبا ولإظهار دعم أقمارها الصناعية".

كما أشار إلى أنه من المفترض أن تمارس "الكتلة العسكرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة ضغوطاً غير مشروعة لما يسمى بالغرب الجماعي على الدول ذات السيادة باستخدام الموارد العسكرية والاقتصادية والإعلامية وغيرها".

من ناحية أخرى، فإن الانقسام الداخلي وتباين المصالح التي بدأت تطفو على السطح على رغم محاولات استبعاد وسائل الاعلام عنها، إضافة إلى وضع المنطقة بما يترجم ولادة عالم جديد متغير، و "التهديد" الذي تواجهه تلك الدول على حدودها، كلها مجتمعة تنذر بسنوات قادمة تحتاج فيها دول الحلف إلى مراجعة أهدافه بما يتناسب مع امكانياتها الحالية.