الثلاثاء 08 تشرين أول , 2024 12:28

المخطط الأميركي "لليوم التالي" في لبنان

عندما اتصل وزير "الحرب" الإسرائيلي، غالانت، بوزير الدفاع الأميركي في شهر أيلول الماضي، قبل دقائق من تفجير البايجر، في 17 أيلول، أخبر الأول نظيره  أن احتمالات الحل على الحدود مع لبنان تتلاشى. ثم بدأت الحرب الجوية العدوانية وسلسلة اغتيالات القادة العسكريين لدى حزب الله، وعلى رأسها اغتيال الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله في 27 أيلول. نتائج هذه الفترة تشكّل للأميركي وباعتقاده مجموعة من الروافع السياسية الضرورية بالنسبة إليه في إعادة رسم خارطة منطقة غرب آسيا. تسعى واشنطن بما تعتقد أنها باتت تملك من أوراق ضغط إلى إعادة إحياء النفوذ الأميركي في المنطقة، بعدما تلقّى ضربة كبرى منذ السابع من تشرين الأول 2023، يوم طوفان الأقصى وما بعده مع جبهات الإسناد التي تكاتفت جهودها في كسر الردع الاستراتيجي الإسرائيلي والردع التكتيكي الأميركي.

"اليوم التالي" في لبنان

 يبني الأميركي أوهامًا في تقدير مفاعيل النتائج العسكرية ومحاولة ترجمتها في ضغوط سياسية على لبنان؛ يريد من خلالها تحقيق ما عجز عنه سابقًا. تضم حزمة "اليوم التالي"، وفق التصور الأميركي، ملفين أساسيين، أولهما هو الأكثر أولوية، وهما: انتخاب رئيس جمهورية "تابع" للسياسات الأميركية أو بالحد الأدنى "غير تابع" لكنه لا يملك السلطة لمعارضة السياسات الأميركية، يعني مسلوب الصلاحيات أمام الإرادة الأميركية؛ وتنفيذ قرار 1701 وتحويل مهمات الجيش اللبناني على الحدود بين لبنان وفلسطين؛ وبطبيعة الحال بين لبنان وسوريا في محاولة لاستكمال الحصار البري على طرق إمداد المقاومة.

أولوية انتخاب رئيس جمهورية غير حليف لحزب الله

 يقتضي المخطط الأميركي استغلال الضربة الإسرائيلية التي تلقتها قيادات حزب الله وبنيته التحتية للدفع باتجاه انتخاب رئيس لبناني جديد، إذ يرى مسؤولون أميركيون أن البيت الأبيض يريد الاستفادة من "الضربة القوية التي وجهتها إسرائيل لقيادة حزب الله وبنيته التحتية للضغط من أجل انتخاب رئيس لبناني جديد في الفترة المقبلة"، وفقًا لتقارير أميركية واسرائيلية، وبحسب ما نشرته "جيروزاليم بروست" عن محللين سياسيين. وكان موقع واللا العبري قد نشر عن مسؤولين أميركيين أن هناك "فرصة لتقليص نفوذ حزب الله على النظام السياسي اللبناني بشكل كبير وانتخاب رئيس جديد ليس حليفًا له. ومن بين المرشحين لهذا المنصب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا.

 تعمل واشنطن على الضغط على الحكومة اللبنانية للقبول بالمرشح الأمريكية وتجاوز حضور وموقف حزب الله السياسي ودوره بما يمثله من ثقل في مجلس النواب وفي أعداد الناخبين. وقد أبلغ المبعوث الأميركي، هوكشتاين، رئيس الوزراء المكلّف بالوكالة، نجيب ميقاتي، أن الأولوية حاليًّا لانتخاب رئيس للبنان وفق مسؤولين أميركيين لأكسيوس. بينما كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، عن ممارسة حكومته الضغط على لبنان، بقوله: "لقد أوضحنا منذ بعض الوقت أننا نعتقد أن الحكومة اللبنانية بحاجة إلى التغلب على الخلل في النظام ــ أحد المحرضين الرئيسيين لهذا الخلل هو حق النقض الذي يتمتع به حزب الله بشأن من سيكون الرئيس المقبل ــ وانتخاب رئيس".

قرار 1701 ونشر الجيش على الحدود بدعم أميركي

 بينما تتصاعد الاشتباكات وحدة المواجهات بين حزب الله وجيش العدو على الحدود، يجهد البيت الأبيض لإعادة تحريك ملف قرار 1701 في لبنان، متصوراً أن حزب الله يمر بمرحلة من الضعف، ويمكن فرض العرض الأميركي الإسرائيلي الذي رفضه حزب الله قبل 17 أيلول، يوم تفجير "البايجر".

تضمّن العرض انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني وإخراج الصواريخ الدقيقة من لبنان، وفق ما كشف جوني منيّر في لقاء ضمن برنامج "وجهة نظر" على "سبوت شوت"، بتاريخ 27 أيلول، يوم اغتيال سماحة السيد نصر الله. يعتقد الأميركي أنه لا بد من استغلال الفرص المتولدة ما بين 17 و 27 أيلول في تعزيز الأهداف المطلوبة، وفي طليعتها سحب السلاح وتراجع حزب الله الجغرافي، ونشر القوات المسلحة اللبنانية على الحدود، بمساعدة مناسبة من القيادة المركزية الأمريكية.

ذكرت صحيفة المونيتور الإخبارية خلال زيارة الجنرال جوزيف عون إلى واشنطن في مقر القيادة المركزية في فلوريدا في منتصف حزيران أن مسؤولي إدارة بايدن يرون "القوات المسلحة اللبنانية قوة يمكن أن تنتشر بالقرب من الحدود لمراقبة المنطقة العازلة المستقبلية التي يتم التفاوض عليها بين إسرائيل وحزب الله"، وفقًا لما ورد في  مقال "بناء السيادة اللبنانية من جديد"، لديفيد اغناشيوس في صحيفة واشنطن بوست.

 قال المسؤولون الأميركيون إن المهمة الأولى هي انتخاب رئيس لبناني، ثم التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية على أساس قرار الأمم المتحدة، ثم تعيين رئيس وزراء لبناني جديد. ومؤخرًا، أبلغ رئيس الوزراء اللبناني بالوكالة، نجيب ميقاتي، مستشار الرئيس بايدن "آموس هوشتاين" أنه يريد المضي قدمًا في الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة في حزيران للتوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان. وقال المسؤولون الأميركيون إن هوكشتاين أبلغ ميقاتي أن الاقتراح "غير وارد" لأن الظروف على الأرض تغيرت في الأسبوعين الماضيين بسبب تصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله، وبدلًا من ذلك، قال هوكشتاين لميقاتي إن الأولوية يجب أن تكون لانتخاب رئيس جديد. وحين التقى وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في 3/10/2024، في واشنطن، مع مسؤولة ملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، باربرا ليف، قالت الأخيرة إنه بسبب الوضع في البلاد، يجب انتخاب رئيس جديد في أقرب وقت ممكن، بحسب وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية.

 تفيد الأولوية الأميركية لانتخاب رئيس قبل تنفيذ قرار 1701 احتمال وجود خطر رفع الضغط على حزب الله داخليًّا، سياسيًّا وحتى عسكريًّا، وتوريط الجيش باصطفاف ميداني مقابل المقاومة، واحتمال الاستفادة من قوات أخرى من "الطابور الخامس"، المعارضين لحزب الله سياسيًّا. هذا السيناريو يحمل معه بوادر الدفع بالبلاد إلى الفوضى الداخلية.

تحديات "اليوم التالي" في لبنان

تحيط بموضوع  "اليوم التالي"، انتخاب الرئيس وكذلك تنفيذ قرار 1701، تحديات جمة:

-محاولة الكيان الصهيوني عبر الولايات المتحدة تجاوز ما يجري في الميدان وهو الكلمة الفصل، والنتائج العسكرية هي معيار حسم المعركة العسكرية.

-تنفيذ الرهانات الأميركية سياسيًّا دونه الوظيفة السياسية لدى الثنائية الشيعية التي يصعب تقويضها أو القضاء عليها، وهو ما تدركه واشنطن جيداً.

-ضعف قدرة الجيش اللبناني والإمكانيات المتوفرة لديه، وتاليًّا الحاجة الأميركية للوقت و/أو احتمال الاستعانة بقوات رديفة مساعدة، ودون ذلك أيضًا مشكلة جنسية تلك القوات، والمخاطر التي تحيط بتواجدها على الأرض. ويقول مبعوث بايدن الخاص إلى لبنان، آموس هوكشتاين، بشأن ذلك: "نشر القوات المسلحة اللبنانية سيتطلب "قدرا هائلا من الجهود"، موضحًا: "أنت بحاجة إلى التجنيد والتدريب والتجهيز، وهذا يستغرق وقتًا".

-الرهان الأميركي على "الضغط العسكري كوسيلة لإنجاح الدبلوماسية قد يؤدي أيضًا إلى سوء التقدير، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة"، وفقًا لمتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية، نقلًا عن رويترز.

-معاودة تجربة فشل "اليوم التالي" في غزة، والمزيد من الغرق الأميركي في مستنقع لبنان وفلسطين.

توجهات المواقف اللبنانية من "اليوم التالي" في لبنان

 تظهر المواقف اللبنانية السياسية والحزبية وجود توجهات تتراوح بين من يحمي المقاومة ومن يبحث عن المصلحة الشخصية الضيقة بعيداً عن الموقف الوطني، واتجاه وسطي يحاول التوفيق بين الطرفين.

التوجه الداعم للمقاومة يرى أن انكسار فريق في الوطن يعني خسارة لكل لبنان، واعتبار أولوية المصلحة الوطنية والنظر إلى التدخل الاميركي لفرض رئيس كمعركة لا بد من خوضها. الاتجاه السياسي المؤيد للمقاومة يعبر عنه رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي أكّد الالتزام بما ينهي "العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان"، وتحديدًا البيان المشترك الأميركي الفرنسي الأوروبي العربي، الصادر في 25 أيلول والداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يومًا، يتمّ خلالها استكمال المفاوضات بغية التوصّل إلى اتفاق نهائي لتطبيق القرار 1701. من جهته، رئيس تيار المردة، الوزير سليمان فرنجية، الذي أكد عن ضرورة البحث عن "رئيس فعلي شرعي؛ يوحد اللبنانيين ويمنع اندلاع حرب أهلية، والأهم أنه يحمي ظهر المقاومة". كشف الرئيس بري تمسك باريس ولندن بالبيان المشترك، أمّا واشنطن وكما قال الرئيس بري: "فهي معه شكليًا، لكنّها في الجوهر لا تفعل شيئًا لتنفيذه ولا تضغط جدّيًا على الكيان الإسرائيلي للتقيّد به ووقف عدوانه". وهنا، يشار إلى أن مسؤول في حزب الله قال لرويترز: "إن الحزب فوض بري للتفاوض نيابة عنه بشأن الرئاسة".

 رئيس الوزراء المكلف، ميقاتي، يؤيد "انتخاب رئيس لا يمثل "تحديًا" لأحد، ويدعو إلى انتخاب "رئيس توافقي يطمئن الجميع ويبدد مخاوفهم". قبل أيام، قال وائل أبو فاعور، وهو نائب في الحزب التقدمي الاشتراكي، لرويترز إن انتخاب رئيس توافقي من شأنه أن يرسل "رسالة إلى العالم الخارجي مفادها أن هناك حكومة قوية في البلاد مستعدة للتفاوض" بشأن وقف إطلاق النار. وفي 7 تشرين الأول، أعرب رئيس الحزب التقدمي، جنبلاط، عن موقف لافت بالقول: "يوجد اجماع على الالتزام بالقرار ١٧٠١ ولن نربط مصيرنا بمصير غزة". الأمر الذي يشير إلى مساحة الخلاف بين الأفرقاء السياسيين الحزبيين اللبنانيين. بينما دعا حزب القوات اللبنانية، المسيحي المعارض لحزب الله، إلى انتخاب رئيس، باعتبار أنها الطريقة الوحيدة "لتحمل الدولة مسؤولياتها بمفردها". من جهيته يصر الرئيس نبيه بري على أن الطريق الوحيد لانتخابات رئاسية هو الحوار، لكن بالنسبة للمعارضة الحوار يعني الاستسلام لحزب الله.

خلاصة حول النسخة اللبنانية لسيناريو "اليوم التالي" في غزة

 تراهن واشنطن بكل ثقلها الدبلوماسي قبل الانتخابات الأميركية على مخططها في محاولة تفكيك قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية. تستخدم الإدارة الاميركية نفس آلياتها على مدى عام كامل في فرض "اليوم التالي" في غزة. تعتمد المماطلة والإلهاء وتأمين المزيد من الوقت لجيش العدو لتنفيذ المزيد من عمليات تعطيل الدور الوظيفي للقدرات العسكرية لحزب الله. تزعم الولايات المتحدة أنها لا تريد استهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية، وتتجنب التصعيد، ولكنها تعطي الكيان المؤقت الضوء الأخضر في ملاحقة الأهداف في لبنان. وبينما تدعي وزارة الخارجية أن "هدف واشنطن هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان لتوفير مساحة للدبلوماسية"، إلا أنه لا إرادة أميركية حقيقية لذلك ولا جدية، تمامًا كما حصل في غزة. فالأهداف التي تسعى إليها واشنطن وتل أبيب ما كان العدو ليتوقف قبل تحقيقها بعدما وصل إلى هذه المرحلة في مسار الصراع الجاري.

أما مخطط "اليوم التالي" للبنان الذي يدرك الأميركي أنه لن يكون أسهل من "اليوم التالي" في غزة، لا يبعد أن يكون مجرد ورقة أميركية للمزيد من الإلهاء، في حين يراد منه "تفجير" الوضع الداخلي عبر تغذية النعرات السياسية والطائفية حول الحرب وإطالة وقتها.   





روزنامة المحور