الأربعاء 04 كانون الاول , 2024 03:10

مشروع الاستيطان اليهودي في غزة: المنظَّمات، والجهود العمليّة، وإمكانات التحقّق

مشروع الاستيطان الإسرائيلي في غزة

انعقد المؤتمر الأول للاستيطان في غزة في كانون الثاني 2024، ثم مرة أخرى في تشرين الأول 2024، حيث دعا المشاركون إلى إنشاء "غزة الجديدة" كجزء من رؤية استيطانية موسّعة في كل قطاع غزة. وُصفت هذه الرؤية بأنها "ليست وهماً، بل خطة عمل"، مع توزيع خرائط متخيَّلة حول المشروع. شارك نحو 11 وزيراً و15 نائب كنيست في المؤتمر وقدموا الاستيطان على أنه ضرورة أمنية وأيديولوجية، وربط بعضهم بين الاستيطان وتهجير الفلسطينيين. وأعلنت دانييلا فايس، رئيسة حركة "نحالا" التي تبادر بنشاط في إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية، أنها "زارت" قطاع غزة مرات عدّة خلال الحرب، وأن الحركة طلبت تجهيز 40 مبنى لنقلها إلى غزة، وأنه تم تجنيد نحو 700 نواة استيطانية للانتقال الفوري إلى القطاع.

تستعرض ورقة تقدير الموقف الحالية مشروع الاستيطان اليهودي في قطاع غزة بعد حرب 2023، قاعدته السياسية-الاجتماعية، وإمكانيات تحقيقه. القسم الأول يقدم لمحة تاريخية عن تطور الاستيطان في قطاع غزة وصولاً إلى تفكيكه والانسحاب في العام 2005. القسم الثاني يستعرض المؤسسات والمنظمات التي تنشط بشكل متصاعد منذ 7 أكتوبر 2023، وتعمل على البدء الفعلي بالاستيطان. القسم الثالث والأخير يناقش مآلات هذه المشاريع في ظلّ عوامل تعزز من إمكانيات الاستيطان وأخرى تقلل منها. وسنقتصر على عرض القسم الثالث ويمكنكم الاطلاع على المادة بشكل كامل في الأسفل.

امكانيات الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة؟

تحمل نشاطات إحياء الاستيطان في غزة تهديداً حقيقياً، هناك عوامل عدة تزيد من احتمالية تحققه، مثل الدعم الأيديولوجي والمؤسساتي لحركة الاستيطان والبنية التحتية العسكرية المتطورة والترتيبات النشطة التي يقوم بها المستوطنون، بالمقابل هناك عوامل أخرى، كالعبء الأمني والإداري الذي يشكّله الاستيطان واستمرار الحرب ومآلاتها التفاوضية، تعرقل تحقيقه.

عوامل تعزز مشروع الاستيطان في قطاع غزة

يتطلّب تحقيق مشروع استيطاني في قطاع غزة وجود سلطتين إسرائيليتين متكاملتين: الأولى ذات طابع أمني عسكري، تضمن السيطرة الأمنية الصارمة، والثانية ذات طابع مدني، على غرار الإدارة المدنية أو أي كيان إداري مستحدث يضطلع بتنظيم الشؤون اليومية للمستوطنين. في هذا السياق، يُعد محور نتساريم مثالًا على إمكانية إنشاء منطقة حدودية تستقطع جزءاً من قطاع غزة لتمكين هذه السلطات من العمل. منذ بداية الحرب، طورت إسرائيل بنية تحتية عسكرية على طول محور نتساريم (7 كم عرضاً و8 كم طولاً)، ما يشير إلى نيات تتجاوز الاعتبارات الأمنية التقليدية. باتت هذه المنطقة تُستخدم كخط حدودي يمنع عودة السكان الفلسطينيين إلى شمال القطاع، حيث أقيمت عليها 6 معسكرات ونقاط مراقبة، مما يعكس تحولًا في طبيعة السيطرة الإسرائيلية على الأرض.

من جهة ثانية، تُظهر حركة الاستيطان الإسرائيلي قوة متزايدة بسبب توفر ثلاثة عوامل. سياسياً، انهيار مفهوم حل الدولتين واستبعاده من الأجندة السياسية الإسرائيلية، ما يمنح المستوطنين أرضية أيديولوجية قوية للتوسع دون ضغوط إسرائيلية داخلية جادة. سلطويًا، وجود حكومة يمينية ودينية تضم وزراء ومسؤولين في مواقع قيادية ينتمون إلى دوائر الاستيطان، ما يدعم المشروع الاستيطاني لأسباب أيديولوجية وأمنية على حد سواء. تنظيماً، النمو المتسارع لحركة الاستيطان في العقد الأخير، حيث باتت تضم منظومة شاملة من المؤسسات تشمل منظمات تمويلية، مدارس ما قبل العسكرية، منصات إعلامية، أكاديميين، حركات شبيبة، صناديق تمويل، ولوبيات داخل الكنيست. تمكن هذه الأذرع المختلفة الحركة من تحويل رؤيتها إلى برامج عمل فعالة على الأرض، مما يزيد من قدرتها على تحقيق أهدافها الاستيطانية.

عوامل تستبعد/تعرقل مشروع الاستيطان في قطاع غزة

- رغم العوامل التي تدعم الاستيطان، فإن هناك عوائق جديّة تعرقل تحقيقه، على الأقل في المستقبل القريب. الاستيطان الإسرائيلي في غزة مرهون بنتائج الحرب التي لم تُحسم بعد. مفاوضات إنهاء الحرب تشمل مطالب جوهرية مثل الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وهي مطالب قد تعيق أي محاولة لتثبيت استيطان جديد إذا ما واجهت ضغوطاً دولية أو مقاومة فلسطينية قوية. إضافة إلى ذلك، من وجهة نظر الجيش الإسرائيلي والمؤسسات الأمنية، الاستيطان ليس مكسباً، بل عبء إداري، ومالي، وأمني. ستتطلب حماية المستوطنات الجديدة استنزافاً للموارد والقدرات العسكرية، بالإضافة إلى التصدي للاحتجاجات الدولية والمحلية الناتجة عن عمليات التهجير القسري للفلسطينيين.

- يعارض المجتمع الدولي فكرة إعادة الاستيطان الإسرائيلي في غزة الأمر الذي قد يشكل عنصر ضغط على إسرائيل تجاه منع تهجير الفلسطينيين وإنشاء مستوطنات يهودية مكانهم. فعلى الصعيد الأميركي، واجهت إسرائيل انتقادات حادة من إدارة بايدن التي سبق وأكدت التزامها بحل الدولتين ورفضها التوسع الاستيطاني باعتباره عائقاً أمام السلام (وكانت قد فرضت عقابات على مستوطنين ومنظمات استيطانية في الضفة الغربية خلال 2024). أما فيما يخص الإدارة الأميركية الجديدة، فقد أعلن ترامب عن نيته إنهاء الحرب بأسرع وقت الأمر الذي يقلص حظوظ إسرائيل في البقاء داخل قطاع، مع الإشارة إلى أن خطر إدارة ترامب قد يكون أكثر تجاه تسهيل عمليات ضم الضفة الغربية وليس الاستيطان في قطاع غزة. من جانبها، أعربت ألمانيا عن قلقها إزاء خطط إعادة توطين اليهود في غزة، مؤكدة رفضها القاطع لأي خطط تهدف إلى بناء مستوطنات هناك.

- أما على المستوى الإقليمي، فإن هذه السياسات تهدد جهود التطبيع مع السعودية ودول عربية أخرى، التي ترى في مثل هذه التحركات تقويضاً للمبادرات الدبلوماسية وتجاهلًا للقضية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، فإن التوجهات الحالية تعمق العزلة الدولية لإسرائيل، حيث تُواجه بإدانات واسعة من المجتمع الدولي الذي يعتبر التهجير القسري والاستيطان في الأراضي المحتلة انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، مما يزيد من تعقيد علاقاتها الخارجية ويضعها تحت ضغوط سياسية وقانونية متزايدة.

للاطلاع على المادة بالكامل من هنا


المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"

الكاتب: وليد حباس




روزنامة المحور