تسلك العلاقات الأميركية-الإسرائيلية طريقاً وعرة خلال هذه الفترة، مع اعتبار الولايات المتحدة ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرتكب الأخطاء غير المسموح بها في هذا التوقيت الدولي الحرج. وتقول صحيفة هآرتس العبرية في تقرير لها، ان "استمرار الحكومة الإسرائيلية بهذا النهج المتبع، سيزيد من الانتقادات الأميركية لها واتخاذ خطوات أخرى بما في ذلك داخل مجلس الأمن". واعتبرت "(اننا) نظهر ضعفاء عندما نطلق تصريحات دون ان نقوم بأي شيء".
النص المترجم:
هناك عاملان يقفان في أساس الانتقاد الأمريكي المتزايد ضد نتنياهو، واحد سياسي – استراتيجي، والآخر قيمي – أيديولوجي. من ناحية سياسية، فقد تحول الانشغال بنتنياهو خلال شهرين إلى أمر مقلق وعبء على البيت الأبيض. سلم أولويات الولايات المتحدة واضح: أوكرانيا – روسيا على المدى القريب والمتوسط، ومنافسة ومواجهة محتملة مع الصين على المدى البعيد. العاملان يحتاجان إلى الوقت والموارد ورأس مال سياسي ثمين لصيانة وإدارة تحالفات وأخطار. الانشغال بإسرائيل، سواء بسبب الحرم أو حوارة أو مستوطنات أو فقرة الاستقواء وتعديل قوانين أساس، هو حرف للأنظار وفرض حضور معيق على الأجندة الأمريكية.
من ناحية القيم والأيديولوجيا، تعدّ إسرائيل دولة في عملية تراجع عن الديمقراطية الليبرالية نحو نظام استبدادي ويبدو في نظرهم بأنها تتخلى عن الركيزة الأساسية للعلاقات مع الولايات المتحدة، والأساس للمظلة السياسية التي تعطيها أمريكا لإسرائيل منذ السبعينيات. عندما تحدث هذه العملية لدى حليف قريب فإن الولايات المتحدة ترد. ربما ببطء وتردد، لكنها ترد وتستمر في الرد بقوة أكبر كلما واصلت حكومة نتنياهو تنفيذ خطواتها.
إن الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى واشنطن، الأول من بين الـ 13 رئيس حكومة في إسرائيل الذي لم يحصل على دعوة أو زيارة في واشنطن خلال شهرين من أدائه لليمين، الأمر الذي تحول إلى رحلة تتويج غير رسمية لكل حكومة، إنما هو دليل يفوق أي توبيخ أو تصريح أمريكي. لم نصل بعد إلى "إعادة تقدير لعلاقات" إدارة فورد في 1975 أو "اتصلوا بنا عندما تكونون جاهزين" لجيمس بيكر في 1991، لكن هذه الحالات كانت في زمن آخر وكانت حول خلافات معينة في الرأي. الآن يدور الحديث عن عملية تآكل، نهايتها غير قريبة.
استدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن لمحادثة توضيح وتوبيخ، لا يعتبر دراما بحد ذاته. العملية نفسها رمزية في جوهرها، ورغم أنها غير لطيفة إلا أنها تدل على حاجة ملحة من واشنطن للقيام بعملية احتجاج عملية، بعد أن اقتنعوا بأن رسائل هادئة سيتم الإجابة عليها أو ستحظى بالاهتمام. ولكن مجرد هذه الخطوة بالذات ليست أمراً قائماً بحد ذاته، وليست حدثاً وحيداً في هذا التسلسل الزمني. هي مرحلة في بلورة كتلة حرجة حاسمة سلبية وسامة للانتقاد وعدم الرضا وخيبة الأمل.
هذه العملية تعكس نمطاً: الولايات المتحدة اتخذت موقفاً واضحاً ولم تعد تبرر نفسها بتوضيح أن هذه هي "شؤون داخلية لدولة أخرى". الميزة المهمة للنهج الأمريكي أنهم يعتبرون العمليات في إسرائيل شيئاً واحداً وموحداً. من ناحية نفاد الصبر والتسامح، لا يوجد فصل بين الجانب الدستوري -السياسي ومحاولة نتنياهو الانقلابية، وبين السياسة تجاه الفلسطينيين. هما مرتبطان، وأي بُعد مصمم لتمكين تنفيذ الآخر.
ست مراحل كانت حتى الآن في بلورة الكتلة الحرجة الحاسمة هذه. أولاً، بعد الانتخابات وقبل إقامة الائتلاف، عبرت الولايات المتحدة عن القلق ونصحت نتنياهو كصديقة بأن لا يشكل حكومة يمينية متطرفة. البارز كان السيناتور بوب مننديز، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ والصديق البارز لإسرائيل. نتنياهو بالفعل لم تكن له وبحق أي بدائل سياسية، وتحولت النصيحة إلى تحذير: تجنب تعيين شركاء من اليمين المتطرف في مناصب حساسة. تجاهل نتنياهو ذلك، وعين سموتريتش في منصب وزير المالية ووزيراً في وزارة الدفاع مع المسؤولية عن الإدارة المدنية. وثم عين بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، وهي الوظيفة التي تم تطويرها للأمن القومي، مع مسؤولية أكبر عن الشرطة وتشغيل كتائب حرس الحدود في الضفة الغربية. لسبب ما، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من التجربة في العمل مع نتنياهو، يبدو لبعض الأمريكيين بأنه نوع من "اليمين المعتدل" الذي يمكن التحدث معه وعقد صفقات معه. هو نوع من سناتور جمهوري من غربي القدس، ونعرف كيف نتعامل مع أشخاص كهؤلاء. المشكلة هي بالطبع نماذج مثل سموتريتش وبن غفير.
مع تشكيل الائتلاف، أعلنت الإدارة الأمريكية بتواضع واعتدال "لن نحكم على التصريحات، بل على الأفعال"، بعد ذلك، بدأت الأفعال تتراكم. وجاءت المرحلة الثانية عندما جاء وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، للزيارة بدون هدف أو ارتباط سياسي ما، ووقف إلى جانب نتنياهو وحذر من إجراء تغييرات دستورية عميقة بدون اتفاق. وأشاد أيضاً بـ "منظمات المجتمع المدني"، أي الاحتجاج، وأشاد بموقفها الشجاع من أجل الديمقراطية، وحذر من السياسة غير المسؤولة في المناطق-الضفة الغربية. في المرحلة الثالثة، أخذ الرئيس الأمريكي إجازة من واجب الرد على رسالة في البريد الإلكتروني لكاتب الأعمدة في نيويورك تايمز، توم فريدمان، وحذر نتنياهو من التخلي عن مبادئ أساسية في الديمقراطية، مثل فصل السلطات واستقلالية جهاز القضاء.
في العام 2019 عندما أعلن رسمياً عن الترشح للرئاسة، قال جو بايدن بأن الدفع الحاسم لقراره هو أن يكون جزءاً من "المعركة من أجل روح أمريكا". التشابه السياسي بين ترامب ونتنياهو في الخطاب والأسلوب والتباكي والهجوم الوحشي على التوازنات والكوابح لم يغب عن نظر بايدن. من ناحيته، رغم الخلاف الكبير في الظروف (ترامب هزم في الانتخابات، أما نتنياهو ففاز)، إلا أن نتنياهو يفعل بإسرائيل ما حاول ترامب فعله بأمريكا: إعلان الحرب الشاملة على دولته، مؤسساتها وخطواتها وقيمها.
في المرحلة الرابعة تم التوقيع على رسالتين لأعضاء مجلس النواب جميعهم ديمقراطيون، شملت الأولى 92 توقيعاً ودعت إلى الحذر والاعتدال، والثانية التي وقع عليها 16 عضواً يهودياً في المجلس كانت أكثر حساسية وتوجهت لإسرائيل كـ "يهود ليهود". عدد من السيناتورات، مثل كريس ميرفي وبيتر وولتش وكريس فانهولن، أدانوا جميعاً الانقلاب النظامي ولم يغرهم تسميته "إصلاح". بعد عدد من تصريحات الإدانة للمتحدث بلسان وزارة الخارجية، التي شكلت المرحلة الخامسة، اتصل الرئيس الأمريكي مع نتنياهو – هذه هي المرحلة السادسة في تصعيد الرد الأمريكي. مقارنة البيان لوسائل الإعلام من قبل كل واحد منهما يمكن أن تقنع القارئ بأن الأمر لم يعد يتعلق بنفس المحادثة، وربما لم تكن المحادثة في السنة نفسها. بالنسبة إلى نتنياهو، كانت محادثة مهمة حول المشروع النووي الإيراني وحول طرق وقفه. وحسب بايدن، فإنه في الـ 45 دقيقة عبر عن قلقه من التخلي عن الديمقراطية وعن القيم المشتركة الموجودة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
على فرض أن الحكومة ستواصل المسار الحالي، سواء إزاء التغييرات الدستورية أو تجاه الفلسطينيين بأن الوزراء سيواصلون "محو حوارة" والعودة إلى "حومش" وزيارة الحرم ومواصلة تعابير التفوق اليهودي، وعلى فرض أن الاحتجاج ضد الحكومة سيتواصل ويزداد – يمكن توقع اشتداد الانتقاد الأمريكي وتوقع خطوات أخرى، بما في ذلك داخل مجلس الأمن. "يبدو أننا نظهر ضعفاء عندما نطلق تصريحات بدون تداعيات"، قال أمس السيناتور كريس فانهولن، الديمقراطي من ميريلاند. يجدر الإصغاء إليه.
المصدر: هآرتس
الكاتب: ألون بنكاس