التهجير القسري في القطيف: سياسة أخرى للقمع والترهيب

التهجير القسري في القطيف

بعيداً عن الرؤى المستحدثة التي يظهرها ولي العهد السعودي إلى العالم كنوع من الدلائل على تغيير نهج المملكة، هناك ما يجري في الخفاء. يستشعر محمد بن سلمان الخطر. يوقن بأن سياسة القمع والترهيب، التي لا يزال يعتمدها، ستنتج ضغطاً شعبياً على غرار ما جرى عام 2011. ولتفادي ما قد تؤول إليه الأمور، يسعى جاهداً لتفتيت بنية المجتمع السعودي خاصة في منطقتي الاحساء والقطيف، عبر احداث تغييرات ديموغرافية بدأ بتنفيذها عبر سياسة التهجير القسري.

تشهد منطقة القطيف فصلاً جديداً من فصول التجريف والتهجير والاقصاء. وتحت شعار "تحسين جودة الحياة" تمعن الرياض في ممارسة التهجير القسري عبر تهديم وتجريف البيوت والشوارع وكل ما يتعلق بثقافة أبناء المنطقة، ومنها أماكن ومساجد تراثية.

يجرّم القانون الدولي التهجير القسري ويعرفه على أنه "ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة".

وبحسب الفقرة 17، يجب مراعاة المبادئ الأساسية المتعلقة بعمليات الإخلاء والترحيل بدافع التنمية". وبالتالي "يتعين على الدول أن تكفل سبل انتصاف قانونية، ملائمة وفعالة لأي شخص يدعي أنه تم انتهاك حقه في الحماية من الإخلاء القسري أو أنه مهدد بالتعرض لذلك الانتهاك".

وبينما تجري عمليات التجريف دون أسباب موجبة، اذ ان الوعود بالتنمية لا تتحقق، ثم ان التعويضات الزهيدة التي يوعدون فيها لا تدفع ايضاً، ترتكب الرياض جرماً يعاقب عليه القانون الدولي. وهو الأمر الذي يتعدى الشأن الداخلي السعودي.

وعلى الرغم من المساعي المبذولة لإبقاء هذه الممارسات خارج دائرة الضوء، لم تفلح الرياض في تجنّب الانتقادات الدولية. اذ انتقدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، عقب اجتياح القوات السعودية مسورة العوامية في القطيف، الحكومة السعودية لقيامها بأعمال الهدم والإخلاء القسري.

في حين تجاهلت هيئة "حقوق الإنسان السعودية"، أسئلة منظمة "العفو الدولية"، حول عمليات الهدم، التي أشارت إلى ان النظام السعودي بث حالة من الخوف والترهيب جراء ممارسته للقمع وارتكاب الجرائم بحق المواطنين الذين رفضوا إخلاء منازلهم.

تكثر الشواهد على جرائم النظام السعودي ومنها:

-تجريف حي المسورة:

خسر الأهالي 488 عقاراً ومنزلاً سكنياً ودوراً للعبادة، وتجاهلت السلطات السعودية جميع المناشدات بالمعالجة السريعة والجادة لأزمة الإسكان التي حدثت بعد التجريف، وتركت الأهالي لمصير التهجير القسري. وأتت عمليات التجريف على خلفية ادعاءات النظام بأن المنطقة قد أصبحت "وكرا للإرهابيين" وفق ما جرى تداوله في وسائل الإعلام الرسمية، في إشارة إلى النشطاء الذين أدرجتهم وزارة الداخلية ضمن قوائم أسمتها بـ "قوائم المطلوبين"، الأمر الذي أكد أن شعارات التنمية التي كان قد أعلن عنها سابقاً كانت مجرد شعارات فارغة.

-التهجير في صفوى

ما أسفر عن نزع ملكية 236 عقاراً بمدينة صفوى تحت ذريعة "التطوير"، مع غموض تام حول تعويضات ملاك العقار. في حين أعلنت السلطات عن تقديم تعويض يبلغ ما بين 250 ألف ريال إلى 600 ألف ريال مقابل نزع ملكيات البيوت التي تبلغ قيمتها ما بين مليون إلى 2 مليون ريال.

-تجريف شارع الثورة

وهو الشارع الذي يضم 28 معلماً أثرياً ويطلق عليه النظام السعودي اسم "شارع الملك عبد العزيز" في قلب القطيف. ويعود تاريخ الشارع إلى ما قبل اعلان "الدولة السعودية".

يحتضن الشارع ذاكرة النضال لانتفاضة الشعب أوائل السبعينيات، والانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2011، وكان الشارع ولا يزال شاهداً على مواجهة أبناء القطيف ورفضهم لسياسات النظام المستمرة حتى اليوم.

في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بدأت السلطات السعودية بتنفيذ جريمة تجريف وهدم العقارات الممتدة على طول شارع الثورة وسط القطيف، بعد أن أعلنت عن عمليات الهدم عام 2018، مهددة أكثر من 1200 عقار ووقف شرعي بالإزالة.

تُعرف هذه المنطقة بانتماء أغلب قاطنيها لمذهب واحد. ويعد هذا الأمر من أبرز الأسباب التي دفعت وعجلت في اتخاذ قرار التغيير الديموغرافي للمنطقة، وما يفسر أيضاً قيام النظام في اتخاذ تدابير تقوم على استقطاب سكان من مناطق أخرى للغرض نفسه.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور