من محادثات جدة إلى قمة إيغاد: هل هي مبادرات جدية؟

زينب عقيل

حتى الآن لم تفلح أي جهود دبلوماسية لوقف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ويمكن القول إن التنافس على المبادرات قد أحدث سباقًا حول كيفية جلب الأطراف المتحاربة للتفاوض، فبعد فشل قمة المبادرة السعودية، اهتمت تركيا وروسيا لاستضافة محادثات لكنها لم تحصل بعد، وأمس صدر البيان الختامي لمجموعة الدول الرباعية إيغاد، الذي انعقد في أديس أبابا برعاية أمريكية، وحرص على تأكيد الأهداف التي يسرتها قمة السعودية التي رعتها الولايات المتحدة أيضًا. ومن المتوقع أن تنطلق مبادرات أخرى من مصر وإثيوبيا وتشاد.

فشل قمة إيغاد بسبب غياب الأطراف المتحاربة

"إيغاد" منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1996، تتخذ من جيبوتي مقرًا لها، وتضم إلى جانب السودان وجنوب السودان، كلا من إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال، وإريتريا.

دعا البيان الختامي للقمة طرفي الصراع إلى الوقف الفوري لإطلاق النار والاحتكام للحوار، مشددًا على أنه لا حل عسكريًا للصراع. كما دعا البيان إلى فتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات الإغاثية. وطالب البيان بعقد لقاء مباشر بين قادة الأطراف المتحاربة يهدف في النهاية إلى وقف العنف بشكل فوري، والتوقيع على اتفاق غير مشروط وغير محدد المدة. ودعا إلى نشر قوات إفريقية في السودان لحماية المدنيين.

اختتام قمة إيغاد في أديس أبابا

لكن لماذا فشلت القمة؟ أسف بيان المنظمة لعدم مشاركة الجيش السوداني، ولا قوات الدعم السريع للقمة. ولم تشارك الحكومة السودانية في المحادثات على الرغم من حضورها إلى أديس أبابا، وذلك اعتراضًا على رئاسة كينيا الذي دعم قوات الدعم السريع لاجتماع اللجنة الرباعية. وكان الجيش قد أعلن عن مقاطعته لنفس السبب. وهنا يحضر السؤال، هل يمكن لطرف متحارب أن يقبل بالدخول في محادثات يترأسها طرفٌ منحاز لعدوّه؟ بل هل يمكن أن تنجح محادثات يرأسها طرف منحاز، إذا لم يكن أحد المتخاصمين مستسلمًا؟

محادثات جدة ليست سوى خطة انسحاب

على الرغم من حضور الوفود الممثلة للأطراف المتحاربة، إلا أن وقف إطلاق النار اقتصر على هدنات قصيرة، بلغ عددها سبعة، وتمّ انتهاكها جميعًا. فأعربت الرياض وواشنطن "عن قلقهما إزاء الانتهاكات التي أضرب بالمدنيين والشعب السوداني، وتعيق إيصال المساعدات الإنسانية وعودة الخدمات الأساسية"، وأضافت: "وبمجرد أن تتضح جدية الأطراف فعليًا بشأن الامتثال لوقف إطلاق النار، فإن المسيِّران على استعداد لاستئناف المناقشات المعلقة لإيجاد حل تفاوضي لهذا الصراع". وتابعت: "وتحقيقاً لهذه الغاية، نحث كلا الطرفين على الالتزام بجدية على وقف إطلاق النار ودعم الجهود الإنسانية التي تستجيب للاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني".

لكن قبلها بيوم كان المتحدّث باسم الجيش السوداني قد أعلن تعليق مشاركة الجيش في المحادثات مع قوات الدعم السريع في جدة.

من مراسم توقيع اتفاق الهدنة بين ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة

قامت المبادرة الأمريكية السعودية على أساس الانتقال التدريجي وفق استراتيجية خطوة خطوة، أي إقامة مجموعة من الهُدَن المؤقتة يتم خلالها فتح الممرات الآمنة وإخلاء المستشفيات والجرحى ودفن القتلى والخروج من منازل المواطنين. تمهيدًا لوقف دائم لإطلاق النار، ومن ثمّ حكومة مدنية ورجوع العسكر إلى الثكنات. والواقع أن هذه المبادرة ليست سوى خطة انسحاب ولم تعاين المصالح الخاصة التي يعتقد الطرفان أنها تستحق الدفاع عنها حتى الموت. بل تعاملت مع الطرفين على قدم المساواة في حين أن أحد الأطراف هو مؤسسة تمثل الدولة، والطرف الآخر ينقلب عليها، ومن غير الممكن إدارة هذا الصراع بمبادرة سطحية كمبادرة خطوة خطوة بدون أن تترافق من معايير مصلحيّة لحلّ النزاع.

المزيد من المبادرات: مصر وإثيوبيا وتشاد

من المتوقع أيضًا إجراء محادثات في إثيوبيا وتشاد، كما قالت مصر إنها ستستضيف قمة للدول المجاورة للسودان في 13 يوليو تموز، لبحث سبل إنهاء الصراع المستمر منذ 12 أسبوعًا والتي تسببت بفرار ما يقارب 700 ألف شخص فروا إلى الدول المجاورة.

لم تلعب مصر، التي ينظر إليها على أنها أهم حليف أجنبي للجيش السوداني، ولا الإمارات العربية المتحدة، التي كانت لها علاقات وثيقة مع قوات الدعم السريع، دورًا علنيًا بارزًا. ولم يشارك هذان البلدان (مصر والإمارات) في محادثات جدة، قالت الرئاسة المصرية في بيان إن القمة التي ستعقد في القاهرة يوم الخميس 13 يوليو تموز تهدف إلى "تطوير آليات فعالة" مع دول الجوار لتسوية النزاع سلميًا بالتنسيق مع الجهود الإقليمية أو الدولية الأخرى.

الرئيس المصري ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تجتمع وفود سودانية، بما في ذلك من الأحزاب المدنية التي تقاسمت السلطة مع الجيش وقوات الدعم السريع بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير قبل أربع سنوات، يوم الاثنين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لإجراء محادثات استكشافية. كما أنه من المتوقع أن يسافر قادة الجماعات المتمردة السابقة من دارفور التي وقعت اتفاق سلام جزئي في عام 2020 إلى تشاد لإجراء محادثات، على الرغم من أن توقيت المحادثات غير واضح ولا يزال السفر من وإلى السودان معقدًا بسبب الصراع.

هل هي مبادرات جدية؟

لحدّ الآن تبدو الجهود منقوصة ولم يمتلك الأطراف بعد حتى ما يجعل الهدنة تطول، فضلًا عن حلّ الصراع بين القوتين. بالطبع لن يلجأ الطرفان إلى وقف إطلاق النار ما لم يحصلا على مكاسب، ولحد الآن كل طرف يريد الحسم لصالحه، وكلاهما لا يقبلان بمعادلة رابح- رابح. يرى مراقبون أن كل الجهود والكلمات لا معنى لها ما لم تحصل مراقبة جدية على الأرض، وتحديد خطوط لمواقع وجود القوتين مع خلق مناطق محايدة، ويرى آخرون أنّ الدبلوماسية لم تكن يومًا جدية، وأنّ ثمة أطراف إقليمية ودولية تريد لهذا الصراع أن يستمرّ.

فمن هي هذه الأطراف وما مصالحها؟ تابعونا في المقال التالي.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور