واشنطن تراهن على أصدقائها في الجيش النيجري: فهل تنجح؟

العميد موسى صلاح برمو

يتمحور النهج العسكري الأمريكي في إفريقيا حول إرسال قوات كوماندوس أمريكية لتدريب القوات الخاصة المحلية وخاصة في النيجر حيث الوجهة المفضلة للأمريكيين والتي تملك فيها الولايات المتحدة أكبر قاعدة طائرات مسيرة مع 1100 جندي أمريكي، بالإضافة إلى إنفاق أكثر من 500 مليون دولار وتدريب فرقة الكومندوس في الجيش النيجري. وبالطبع فإنه سيكون لدى الجيش الأمريكي رجلًا مفضلًا في القوات العسكرية النيجرية، هو من تحدثت عنه صحيفة وول ستريت جورنال، العميد موسى صلاح برمو، الذي تشكل قواته أفضل قوة قتالية في النيجر، ويُعدُّ محورًا لهذا النهج.

على مدى العامين الماضيين، ألقت الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والآن النيجر بظلال من الشك على ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة مساعدة دول الساحل في الدفاع عن نفسها ضد المتمردين الذين يلقون عليهم اسم "الجهاديين"، مع منع موسكو من الاستفادة من عدم الاستقرار. ومثل برمو، كان بازوم، الرئيس الذي تمّ الانقلاب عليه، المفضل لدى الولايات المتحدة.

برمو يحتضن جنديا أمريكيا

برمو باعتباره رجلًا حيويًا للاستراتيجية الأمريكية

وفي الأسبوعين اللذين أعقبا انقلاب النيجر، برز برمو كقناة دبلوماسية رئيسية بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري. الضباط والدبلوماسيون الأمريكيون لديهم رقمه في هواتفهم المحمولة ويعتقدون أنه أفضل فرصة لهم لاستعادة نفوذهم تحت شماعة الديمقراطية والادعاء "بمنع حرب إقليمية فوضوية" من شأنها أن تغرق واحدة من أفقر مناطق العالم في "أزمة أعمق" حسب أدبيات الخطاب والصحافة الغربية.

جلس برمو في نيامي عاصمة النيجر لمدة ساعتين يوم الاثنين 7 آب مع فيكتوريا نولاند نائبة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة. خرجت نولاند لتخبر العالم بأن المحادثات كانت محبطة. لكن نولاند، التي تعرف تقارب برمو الطويل مع الولايات المتحدة، حثته على التوسط في اتفاق يسمح للنيجر و"حلفائها الغربيين" منذ فترة طويلة بالعودة إلى محاربة متشددي القاعدة والدولة الإسلامية وبوكو حرام ومنع البلاد من أن تصبح "موقعًا أفريقيا آخر لروسيا" وقوات فاغنر.

ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنه لا يوجد رمزٌ أكثر وضوحًا للآمال المحطمة لاستعادة النفوذ في الدولة المفضلة للولايات المتحدة في غرب إفريقيا من العميد برمو، باعتباره رجلًا حيويًا للاستراتيجية الأمريكية، قبل أن تتباعد مصالحهما.

وفي هذا السياق، تتقاسم قوات الكوماندوس الأمريكية مواقع مع قوات برمو في بلدتي أولام حيث تقاتل فصائل محلية لتنظيم القاعدة وداعش وديفا حيث تركز العمليات القتالية على متشددي بوكو حرام الذين يشنون هجمات حول بحيرة تشاد.

مشهد من منطقة الساحل التي يسيطر عليها

برمو: "قطع المساعدات هو ثمن السيادة"

وفي أعقاب الانقلاب، علّقت الولايات المتحدة تدريبها للقوات النيجيرية وقطعت بعض المساعدات العسكرية الأخرى للنيجر. "إذا كان هذا هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل سيادتنا، فليكن كذلك"، كتب برمو إلى صحيفة وول ستريت جورنال بعد أيام قليلة من الانقلاب. ولم يرد على أسئلة أخرى. والجدير ذكره أن وزارة الخارجية الأمريكية إذا أعلنت رسميًا أن ما حصل هو انقلاب وليس انتفاضة، فإن القانون الأمريكي سيتطلب المزيد من التخفيضات في المساعدات العسكرية.

 يقول مسؤولون أمنيون آخرون في غرب إفريقيا إن نجاح واشنطن في الحصول على برمو إلى جانبهم سيكون محوريًا. والد برمو، الذي كان موظفًا حكوميًا بعد استقلال النيجر عن فرنسا في عام 1960، حاول منع ابنه من الانضمام إلى الجيش، على أمل أن يواصل دراسته بدلًا من ذلك. لكنه مصممًا وانضم إلى الجيش في عام 1989. وأعلنه الجيش الأمريكي في وقت مبكر بأنه نجم صاعد واتخذ خطوات لجذبه إلى المدار الأمريكي.

 وكانت الحكومة الأمريكية قد أرسلت برمو إلى سلسلة من الدورات فيما كان يسمى آنذاك فورت بينينج، جورجيا، لتدريبه على قيادة هجمات المشاة والقفز بالمظلات من الطائرات. وحضر دورات في جامعة العمليات الخاصة المشتركة، المجاورة لمقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية في تامبا.    

قوات كومندوس نيجرية تتدرب مع القوات الأمريكية

برمو صديقًا للأمريكيين ومعاديًا للفرنسيين

لكن لم يكن هذا هو الحال مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، ففي اجتماعات مع نظرائه الأمريكيين، عبر برمو بحرية عن المشاعر المعادية لفرنسا. في عام 2021، استضاف حفلة ليلة رأس السنة في منزله في نيامي، ودعا ضباطًا أمريكيين وبريطانيين ولكن ليس فرنسيين، إذ أفاد أحد الضباط الأمريكيين إن برمو مستاء من ممارسة فرنسا المتمثلة في القيام بعملياتها الخاصة ضد الجماعات المتشددة دون استشارة القادة النيجريين.

صحيفة وول ستريت جورنال اعتبرت رفض برمو بأنها بداية بطيئة للمحادثات بين الولايات المتحدة والمجلس العسكري، ويأمل أصدقاء برمو القدامى أن يكون لديه مجال للمناورة السياسية وميل شخصي للضغط من أجل التوصل إلى حل يبقي النيجر في فلك واشنطن. فهل سيقود برمو الانقلاب التالي، حيث بدأت التحليلات تومئ إلى سيطرة الأمريكيين على المشهد السياسي بسبب صداقاتهم المتعددة مع القادة العسكريين في النيجر؟ أم أنه سيثبت على موقفه إلى جانب الشعب النيجري؟ 


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور