ليس مخطط اليمين هو فقط تمرير القوانين التي تحكم سيطرته على أجهزة كيان الاحتلال، بل إنّ هذا اليمين المتطرّف، وخاصة فئة الحريديم منه، يسعى الى إقرار قوانين تمنح المستوطنين المنتمين إليه "امتيازات" من شأنها أن تعزّز الانقسام والطبقية مع باقي مكونات المجتمع اليهودي داخل فلسطين المحتلّة. فإلى جانب مخطط التعديلات القضائية، يحاول اليمين المتطرّف تمرير "قانون" يعفي المستوطنين "المتدينين" الذين يدرسون في المعاهد الدينية من الخدمة في جيش الاحتلال.
قانون التجنيد الجديد يفاقم أزمة الكفاءة في الجيش
يأتي هذا الطرح من اليمين المتطرّف في وقت يشهد فيه الجيش أزمة حقيقيّة وجديّة تمسّ بكفاءته العملياتية، بسبب توسّع الحركة الاحتجاجية في صفوفه، وامتناع العديد من الضباط والجنود في الاحتياط من كافة الفروع، ومنها الأساسية كسلاح الجو والاستخبارات، عن الخدمة، على خلفية معارضة للتعديلات القضائية.
في آخر التقديرات حول مستوى الجيش، كشف موقع "i24 الإسرائيلي"، عن "نقاش سري جرى حول كفاءة الجيش الإسرائيلي في اللجنة الفرعية التابعة للجنة الخارجية والأمن"، ولفت الموقع الى أنّه خلال هذه الجلسة، "حذّر مسؤولون عسكريون من انخفاض في جاهزية الجيش الإسرائيلي"، مؤكدين أنه في وضع سيئ، ويجب تغيير الوضع الحالي من الخلاف".
كذلك أشار وزير أمن الاحتلال السابق بيني غانتس، وهو أحد زعماء المعارضة الحالية، أنّ "مشروع قانون التجنيد الذي يسعى الائتلاف إلى تمريره يقودنا إلى صدام خطير سيلقي بظلاله على الجيش وتماسك المجتمع الاسرائيلي برمته". وأضاف أنّه "لا يمكن دفع مشروع القانون إلى الأمام سوية مع التغييرات القضائية".
بدوره، نقل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفسه الى الأحزاب اليمينية ،التي تقترح هذا القانون، عقب اجتماعه مع القيادة العسكرية في وزارة الأمن في تل أبيب، "تحذيرات القيادات العسكرية حول خطوة الوضع في الجيش، رابطاً للمرّة الأولى بين إمكانية تفاقم أزمة تراجع الكفاءة والجهوزية وقانون التجنيد".
القانون يعزّز التميّز في المجتمع اليهودي
يعتبّر التجنيد في جيش الاحتلال إلزاميًا لكل يهودي، ذكر أو أنثى، بلغ سن 18. لكن عارضت الفئة الحريدية الانضمام إلى الجيش وأصرت على وجوب إعفائها من الخدمة العسكرية بذرائع دينية. كما بادعاء الإمتثال فقط الى القوانين الدينية (halakha) كأساس للحياة والهوية اليهودية.
من ناحية أخرى، ينتقد الحريديم المبادئ الديمقراطية، ويزعمون أنّهم يجب أن يتفرغوا لتعلّم التوراة وممارسة الطقوس التلمودية الدينية، فيما يطالبون بالحصول على الدعم والتمويل من مؤسسات الكيان.
هذه المميزات التي يطالب بها الحريديم دائمًا، دفعت اليساريين في الكيان، الذين يشاركون في العمل المؤسساتي، ويمتثلون للخدمة في الجيش، الى الاعتقاد بأنّهم خدم الطبقة الحريدية والمتدينين. وقد أوضحت صحيفة "هآرتس" العبرية في مقال سابق أنّه، أمام هذا الواقع الذي يفرضه الحريديم، فإنّ "العلمانيين باتوا حمير المتدينين".
انطلاقًا من ذلك، وبالعودة الى "قانون" التجنيد الجديد، الذي يقترح فيه وزير المالية بتسلائيل سموتريتش اقترح أن يتم إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، بمجرد بلوغهم 21 عاماً، بدلاً من 26 عاماً، كما هو معمول به حالياً، في حين اقترح وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت أن يتم الإعفاء عندما يبلغ الشاب الحريدي الثالثة والعشرين، فإنّ العديد من الانتقادات جاءت على خلفية تعزّز التميز والطبقية بين مكونات المجتمع اليهودي.
علّقت صحيفة يسرائيل هيوم" العبرية أنّ المسارين، اللذين اقترحهما كل من سموتريتش، غالانت، يكرسان "انعدام المساواة بين الإسرائيليين في كل ما يتعلق بتحمل عبء الخدمة العسكرية".
بدوره، رأى رئيس المعارضة الحالية، يائير لابيد، أنّ "هذا القانون يعني شيءً واحدًا فقط وهو نهاية جيش الشعب". وأضاف: "فقط أولادنا سوف يلتحقون بالجيش. فقط أـولادنا سوف يمنحون ثلاثة أعوام. أولادنا فقط هم من سيخاطرون بحياتهم. أولئك الذين لا يلتحقون، ستزيد مخصصاتهم، وسيكون أولادنا فقط هم السذج الذين يعملون ويدفعون الضرائب".
أحزاب اليمين المتطرّف تتعنّت: هل يتفكك الإئتلاف؟
رغم كلّ المشكلات التي يخلقها قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية في ظل أصعب وأكبر أزمة داخلية في الكيان، فإنّ أحزاب اليمين المتطرّف تصرّ على تمريره، وهي قد نقلت الى نتنياهو رسالة مفادها أنّه "إذا لم تتم المصادقة عند بداية دورة الكنيست المقبلة على القانون، فإنهم سيعملون على حلّ الحكومة". يقع نتنياهو من جديد بين مأزقين، تجاهل الإضرار بالجيش وكفاءته وكلّ "اسرائيل"، وبين التمسّك بحكومته الحالية، التي لن تتكرّر، بما يعني أن يترك نفسه لمواجهة المحاكم على خلفية دعاوى الفساد الموجّهة ضده.
الكاتب: غرفة التحرير