الجمعة 13 تشرين أول , 2023 03:47

الدعم العسكري للكيان: كيف تتخذ واشنطن قرار تدخلها المباشر؟

الدعم العسكري الأميركي لكيان الاحتلال

تأتي الحماسة الأميركية في تقديم الدعم إلى كيان الاحتلال، نتيجة إدراك الولايات المتحدة أنه غير قادر على "مواجهة الأخطار التي تحدق به". هذه العقيدة الأميركية تجاه "إسرائيل"، عززتها الأخيرة نفسها، بفعل الهزائم المتراكمة طيلة السنوات الماضية. لكن مروحة من الأسئلة والاعتبارات تحيط بحجم هذا الدعم وشكله، خاصة وأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تقوم على الحد من التدخل العسكري المباشر في المنطقة. أضف إلى ذلك، المستنقع الأوكراني المفتوح الذي لا يزال يتطلب دعماً عسكرياً قوياً في مواجهة روسيا الدولة "المعضلة" بالنسبة لواشنطن.

تقوم فرضية الدعم الأميركي لكيان الاحتلال على أمرين: مدى قدرتها على تأمين الدعم لجبهتين في "تل أبيب" وكييف. والأمر الآخر، هو ما إذا كانت ترغب بالحفاظ على حيادتها النسبية وبالتالي عدم انخراطها بشكل مباشر في الحرب.  

بالنسبة للكيان، فإن الأسلحة التي يحتاجها في الوقت الراهن -وفقاً لمعهد واشنطن- تنحصر "بالحصول على صواريخ اعتراضية لنظام الدفاع الجوي، وذخائر موجهة بدقة، وطلقات ذخيرة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الإقليمية الأخرى". وهذه الطلبات استباقية ومن المرجح أن يتم تقديمها تحسباً لحرب طويل الأمد يجهد المخزونات الإسرائيلية. بدأت الولايات المتحدة في تلبية بعض هذه الطلبات على الفور. ورد أن شركة بوينغ بدأت في تسريع تسليم ألف قنبلة صغيرة القِطر إلى إسرائيل، والتي كانت جزءاً من صفقة تجارية مباشرة في عام 2021.

سريعاً، بدأت اللهجة الحذرة تطفو على سطح تعليقات بعض المسؤولين الأميركيين. اذ حذر وزير الجيش من أن "تزويد البلدين في وقت واحد سيتطلب تمويلاً إضافياً من أجل زيادة قدرتنا على توسيع الإنتاج ومن ثم دفع ثمن الذخائر نفسها".

كل الاعتبارات تلك قد صيغت على أساس أن المواجهة محصورة بين كيان الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، لكن ماذا لو اتسعت رقعة الاشتباك إلى جبهات عدة؟

يقول غرانت روملي، الذي شغل منصب مستشار لسياسة الشرق الأوسط في مكتب وزير الدفاع الأميركي، أنه عند دخول جبهات أخرى في الحرب سيتعين على إدارة بايدن دراسة التدخل العسكري المحتمل من خلال ثلاث اعتبارات:

-الأول هو كيف تقيم الإدارة قدرة إسرائيل على التعامل مع حرب متعددة الجبهات بمفردها. وسيشمل ذلك تقييمات إسرائيل لقدراتها الخاصة أيضاً، وما إذا كانت تل أبيب ستطلب المزيد من المشاركة الأمريكية المباشرة.

-الثاني هو ما إذا كانت القوات الأمريكية أو المدنيون الموجودون حالياً في المنطقة معرضين للتهديد أو شاركوا بالفعل في الأعمال العدائية.

-الثالث هو ما إذا كان بايدن يواجه ضغوطاً شعبية كبيرة للتدخل عسكرياً. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة، ما لم تصبح مشاركاً مباشراً، أن تنظر في طرق أخرى لردع جهات فاعلة إضافية عن المشاركة. ويمكن أن يشمل ذلك استعراضات للقوة من قبل الأصول الأمريكية في المنطقة، من خلال التدريبات (إما بشكل مستقل أو مع القوات الشريكة) وممارسة مهام محاكاة قبالة سواحل لبنان لإرسال رسالة ردع إضافية إلى "حزب الله".

من ناحية أخرى، ستفرض مدة الحرب تغييراً في أي قرار سيتخذ بشأن تقديم الدعم. يرى المسؤولون الأمريكيون على أن المخزونات الآن كافية لدعم كل من أوكرانيا وإسرائيل. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الكثير مما قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا حتى الآن (منصات المدفعية والطلقات المرتبطة بها) لا يتداخل بشكل كبير مع ما طلبته إسرائيل (صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية والذخائر الموجهة بدقة التي تطلق من الجو). لكن ماذا لو طال أمد الحرب؟ يجيب روملي: "يزداد الضغط على المخزون العالمي للولايات المتحدة... سنكون أمام معضلة. من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى تمويل إضافي من الكونغرس ليس فقط لتزويد إسرائيل بالمنصات القائمة، ولكن لتكثيف خطوط الإنتاج المحلية". وهذا ما يجعل الدعم يواجه مصيره أمام الانقسام السياسي الحاد في الكونغرس. فعلى الرغم من اعتقاد كلا الحزبين بوجوب دعم الكيان، إلا ان أي "انجاز محتمل" قد ينسب لبايدن على أعتاب الانتخابات الرئاسية يكفي لحشد معارضة جمهورية.

يخلص معهد واشنطن إلى اعتبار أن الحرب المحتدمة في فلسطين المحتلة هي اختبار آخر لرغبة الولايات المتحدة في تحويل الانتباه إلى الصين وروسيا في عصر منافسة القوى العظمى.

طيلة السنوات الماضية، شهدت الاستراتيجية الأميركية تحوّلاً واضحاً في السياسة العسكرية، حيث تقلص عدد القوات الأمريكية في المنطقة، من حوالي 90,000 في عام 2020 إلى حوالي 34,000 في عام 2023. لكن الاعتماد الإسرائيلي المتزايد على واشنطن، والذي أثار سخط كلا الحزبين في السنوات القليلة الماضية، حتى ارتفعت أصوات المعارضين المطالبين بتخفيف حجم الدعم والأموال، قد يجر الإدارة الأميركية هذه المرة إلى التورط في مستنقع لم يكن على هذه الحال من الغليان والصعوبة والتعقيد منذ أكثر من 50 عاماً.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور