السبت 28 تشرين أول , 2023 12:15

طوفان المقاومة، خط المُجابهة الذي لا يتبدّل

مظاهرة حاشدة في بغداد دعماً لغزة

لم تعد كلمة مقاومة مجرد حروف من علوم اللغة العربية يمكن تعريفها لغة واصطلاحا وإعرابها وصرفها، بل أصبحت واقعاً يجمع المجتمعات الواعية لمواجهة التغيرات المفروضة من الأطراف المستبدة التي تحاول قهر الشعوب بالحديد والنار والمخططات المختلفة، كلمة جامعة لدول ترفض الخضوع وتشترك في وحدة المصير ومركزية القضية الفلسطينية، كلمة كسرت حدود الجغرافيا لتوحد الاعتقاد في وحدة الهدف والتمسك بالحق والدفاع عنه.

لقد أظهرت العملية الأخيرة لحركة حماس القدرة المهنية العالية التي تتمتع بها على إلحاق خسائر غير مسبوقة في الأرواح والبنية التحتية للكيان الغاصب منذ العام 1973، وأعادت الأمل لجيل فلسطيني فقد الأمل بقيادته، والمجتمع الدولي لتحقيق آماله الوطنية، فقرر أخذ الأمور بيده، بتخطيط دقيق لم يعهد العالم العربي الكثير منه منذ أمد طويل.

تبدُّل المشهد الإقليمي السريع يفرض معادلات جديدة

ما حصل مؤخرًا في فلسطين المحتلة من عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال، وضع المشهد الإقليمي في حالة أزمة لها عدة سيناريوهات منها الحرب الشاملة، أو احتواء الأزمة من قبل الأطراف الدولية الفاعلية في إطلاق مسارات التفاوض، أو العمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة ما يفرض تهجير اكثر من 2.3 مليون مواطن فلسطيني الى سيناء، وتنفيذ عمليات تطهير عرقي للفلسطينيين وطردهم من أرضهم، وفي ظل هذه التخبط والعشوائية لدى الأمريكيين وأزمة الهيمنة على الشرق الأوسط، وإدارة الصراع مع محور المقاومة، وتنامي الدور الروسي والصيني في المنطقة خلق عملية صعود محور المقاومة لمرحلة الهجوم وكسر قاعدة الدفاع لكسر الهيمنة الأمريكية والغربية في المنطقة، وهذا يتطلب عدة عوامل على المقاومة التكيف معها في خضم التحولات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، وتنظيم عملية المعركة الدائرة وفهم استراتيجيات العدو والتركيز على مواطن الضعف لديه، ومنه نذكر عدم قدرة الاحتلال على تحمل الخسائر البشرية نظراً لقلة عدد السكان، ولهذه الأسباب تعمد العدو الاسرائيلي إخفاء عدد القتلى والاسرى في عملية طوفان الأقصى، أما الشق الثاني يتمثل في إطالة أمد الحرب متقلبة الحدة، وهو الشكل الجديد من الحروب تفضي إلى رسم تكتيكات جديدة تواكب كل مرحلة من العمليات العسكرية، و تجهيز الجيش، وتعبئته وطلب الإمدادات من الأحلاف، يمكن أن نضرب مثلاً عن هذا في التأخير المتكرر للعمليات البرية  في قطاع غزة، وهذا دليل على خسائر جيش الاحتلال المتتالية على كافة المستويات.

الشعب العربي هو من يرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد

بعد دخول الصراع العربي الاسرائيلي مرحلة الإعداد والتمهيد لحل سلمي عبر المفاوضات، وعلى الرغم من تعثر وصعوبة هذا المسار ولكن في السياق العام هي سائرة نحو حل سلمي، شاع في هذه الفترة مصطلح التطبيع الثقافي الذي أعتبره محور المقاومة أنه من أشد الأخطار هولاً على الأمة العربية، والإسلامية، كونها النواة لتوسع إسرائيل تدريجياً وتنامي دورها كقوة جاذبة ومهيمنة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وتقدم إسرائيل نفسها على انها قاعدة تكنولوجية متقدمة، في شرق عربي متخلف وعلى انها قوة امنية رادعة لهذا الشرق العدواني من وجهة نظرها، ولكن هذه الثقافات بتراكيبها الغنية والعميقة وحداثتها غير مؤهلة لاقتحام الفكر العربي، لاسيما يعتبرها الكيان هي بمثابة حقل استثمار أيديولوجي يتكيف مع التحولات الدولية ليتجاوز أزماته في التوسع الجغرافي، والثقافي، وبالتالي فأن عملية التطبيع او اللاتطبيع هي عملية الحرب واللاحرب.

ومما لا شك فيه بأن الشعوب العربية لم تقصر قط في بذل التضحيات، بل قد تكون من أكثر الشعوب بذلاً للتضحيات، وهذا ما شهدته الساحات العربية من مشاهد الاحتفاء بالثأر، والنصر للقضية، ورفض التطبيع، وهذا إن دل على شيء يدل على أن القضية الفلسطينية حافظت على مكانتها كقضية مركزية للأمة العربية، يمكن القول أن هذه المعادلة منعت إسرائيل من الاختراق الفكري والسياسي لمنظومة محور المقاومة، والرأي العام العربي والإسلامي، وانطلاقاً من هذه النظرة يمكن القول بإن إسرائيل لا تملك الثقافة بالمعنى الإنساني والعالمي التي تصدره للعرب لتخترق بها الثقافة العربية، ولا شك بأن هذه المعطيات ودورها هي في صدد انتصارات محور المقاومة انتصاراً مدوياً على الصهاينة، والأمريكيين يهدف إلى رسم الخارطة الجديدة بالعودة إلى فلسطين.


الكاتب: خليل عبد الحميد




روزنامة المحور