تحاول الصين ضبط إيقاع علاقاتها الاقتصادية المتطورة مع الكيان الإسرائيلي مع مواقفها السياسية تجاه القضية الفلسطينية. وتقول صحيفة"responsiblestatecraft"في مقال لها ترجمه موقع الخنـادق “رغم أن الصينيين والإسرائيليين نجحوا عموماً في فصل خلافاتهم السياسية عن علاقاتهم الاقتصادية في الأعوام الأخيرة، فإن موقف الصين المؤيد للفلسطينيين على نحو متزايد من شأنه أن يخلق قدراً كبيراً من التوتر في العلاقات الثنائية".
النص المترجم:
دعت بكين، في محاولة منها لتبني موقف محايد، إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين في حرب غزة.
... مع التهديد باتساع رقعة الحرب بين حماس وإسرائيل على نطاق أوسع، فإن الوجود الصيني المتنامي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يثير تساؤلات مهمة حول الكيفية التي تحدد بها استجابتها للأزمة.
تتمتع بكين بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وعلاقات جيدة مع اللاعبين الفلسطينيين واللبنانيين، بما في ذلك حماس وحزب الله، وكانت السياسة الخارجية لبكين في حقبة ما بعد "ماو" متوازنة بين إسرائيل والجهات الفاعلة العربية. لكن سلوك إسرائيل في الحرب يدفع بكين إلى اتخاذ موقف أكثر تأييدًا للفلسطينيين، الأمر الذي يهدد سير العلاقات مع تل أبيب.
المصالح الرئيسية للصين
في نهاية المطاف، فإن ما تريده الصين في الشرق الأوسط أكثر من أي شيء آخر هو الاستقرار. وتمثل المنطقة أهمية بالغة لنجاح مبادرة "الحزام والطريق"، التي ستواجه مشاكل خطيرة إذا استمرت الحروب في المنطقة.
وللمساعدة في تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج، على وجه الخصوص، لعبت الصين دورا محفزًا في إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران قبل ثمانية أشهر تقريبا. والآن، أثار الصراع المتصاعد في إسرائيل/ فلسطين، وعلى طول الحدود الإسرائيلية مع لبنان يمثّل قلقاً متزايدًا في بكين بشأن احتمال نشوب حرب أوسع نطاقًا. وقد دعت بكين إلى وقف إطلاق النار، يليه تسوية سياسية دائمة للصراع على أساس تنفيذ حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين باعتباره أفضل مسار.
تطورت العلاقات الثنائية المتعددة الأوجه والمعقدة بين الصين وإسرائيل على مر العقود. وفي عهد الرئيس ماو تسي تونج (1949-1976)، دعمت الصين الأنظمة العربية اليسارية و"الراديكالية" وتحديداً الجزائر، ومصر، وجنوب اليمن، وسوريا. فضلاً عن حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط، بما في ذلك حركات النضال الفلسطيني. وعلى النقيض من ذلك، رأى ماو إسرائيل كقاعدة للإمبريالية الغربية في العالم العربي.
ولكن منذ أن أقامت بكين وتل أبيب علاقات دبلوماسية في عام 1992، ازدهرت العلاقات الاقتصادية بينهما في قطاعات لا حصر لها، بما في ذلك التكنولوجيا والبنية التحتية والسياحة والصحة، والتعليم، والخدمات اللوجستية، والموانئ. وهناك أيضًا تاريخ من التبادل التكنولوجي العسكري بين البلدين يعود إلى الثمانينيات. وتعمقت العلاقات الصينية الإسرائيلية إلى درجة أن المسؤولين الأمريكيين ضغطوا على تل أبيب لتهدئة علاقاتها مع العملاق الآسيوي.
ولكن على الرغم من تشابك وعمق العلاقات الاقتصادية، فقد عارضت الصين احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والسورية خارج حدودها المعترف بها في الأمم المتحدة، وانتقدت حملات القصف التي شنتها في الماضي ضد غزة وسوريا ولبنان. وخلافاً لإسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، رفضت الصين تصنيف حماس وحزب الله كمنظمتين إرهابيتين، واعتبرتهما بدلاً من ذلك ممثلين شرعيين لشرائح من السكان في فلسطين ولبنان.
بكين ترد على هجوم حماس المفاجئ
رداً على توغل حماس غير المسبوق في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحملة القصف الإسرائيلية على غزة التي أعقبت ذلك، شددت بكين على ثلاث رسائل رئيسية: أولًا، إدانة جميع الهجمات على المدنيين. ثانياً، الدعوة إلى إعادة تنشيط الحوار بين الأطراف المتحاربة. وأخيراً، دعت إلى إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود إسرائيل في الفترة من 1949 إلى 1967.
في مقابلة مع"RS" قال يون سون، المدير المشارك لبرنامج الصين في مركز “ستيمسون” ومقره واشنطن: "لقد حاولت الصين الحفاظ على الحياد، وانتقاد الهجمات على المدنيين، والدعوة إلى وقف التصعيد ووقف إطلاق النار. إن هجمات حماس على المدنيين لا يمكن تبريرها. ولكن بالنسبة للصين، فإن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني للأراضي الفلسطينية هو أيضًا مصدر الهجمات".
كان رد الصين على 7 أكتوبر مشابهًا للطريقة التي وضعت بها بكين نفسها بعد الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، وفقاً "لإنريكو فارديلا"، مدير مشروع “ChinaMED” ومقره إيطاليا: "إذا كان هناك حديث في أوكرانيا عن الحياد المؤيد لروسيا، فهو في هذه الحالة حياد مؤيد للفلسطينيين".
وأضاف "إن الحياد يعمل على إظهار المرونة الدبلوماسية الصينية من خلال تقديم نفسها على أنها القوة الكبرى الوحيدة القادرة على الحوار مع كلا الجانبين، ويعمل هذا على كسب الإجماع (بين جميع الجهات الفاعلة التي تنتقد حكومة بنيامين نتنياهو ولكن في الوقت نفسه تشعر بالاشمئزاز من وحشية حماس)، مما يُظهر تفوق عملها الدبلوماسي في مواجهة العمل الأمريكي الذي هو بالتأكيد مؤيد لإسرائيل. ومن ناحية أخرى، يعمل العنصر المؤيد للفلسطينيين على حشد دعم اليسار، أي في المنطقة المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل (وبالتالي معادية لأمريكا) داخل وخارج الشرق الأوسط".
هل تستطيع الصين المساعدة في وقف التصعيد؟
في وقت سابق من هذا العام، عرضت الصين التوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والآن، أكثر من أي وقت مضى، يمكن للمنطقة أن تستفيد من وجود لاعب خارجي يلعب دوراً فعالاً في صنع السلام. ولكن نظراً لعجز بكين الواضح بحشد النفوذ اللازم لدفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو تسوية سلمية، فثمة شكوك هل تتمكن الصين من تحقيق مبتغاها.
بدوره، قال "نور الدين أكشاي"، من مركز الدراسات العالمية بجامعة شنغهاي: "نعلم أن بكين تريد منع تصعيد الأزمة، لكنني لا أعتقد أن لديها الأدوات الكافية لنزع فتيل الأزمة". وأوضح "أن النفوذ المحدود للصين على إسرائيل يمثل عقبة رئيسية أمام نجاح بكين في تهدئة هذا الصراع من خلال الوسائل الدبلوماسية. أعتقد أن موقف الصين في الشرق الأوسط مبالغ فيه إلى حد ما. إن قدرتها الفعلية على تشكيل الأحداث في المنطقة محدودة للغاية، على الرغم من نفوذها الاقتصادي. لقد سلطت الأزمة المستمرة الضوء على حقيقة أن الصين تفتقر إلى القوة الصلبة اللازمة لتحقيق أهدافها".
وأشار سون: "أعتقد أن جميع الدول التي تدعو إلى وقف التصعيد ستساعد في ذلك. تتمتع بكين بعلاقات جيدة نسبيًا مع كل من إسرائيل وفلسطين، بالإضافة إلى لاعبين إقليميين آخرين". وأضاف "لكن مثل هذه العلاقات الجيدة لا تترجم بالضرورة إلى تأثير على مثل هذه القضية الكبرى. إن الافتراض بأن بكين يمكن أن تساعد بشكل فعال في وقف التصعيد هو افتراض أن أطراف الصراع مستعدة لتغيير مسارها، وهو ما لا أرى أنه محتمل في هذه المرحلة".
التداعيات على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
من غير الواضح إلى أي مدى سيؤثر العنف المستمر في إسرائيل وفلسطين ولبنان على علاقة الصين مع إسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين أكثر حضورًا بشأن القضية الفلسطينية، الأمر الذي يعمل على تعزيز مكانة بكين بين الحكومات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم الإسلامي ومعظم بلدان جنوب العالم. وقد أدى ذلك إلى تميز الصين عن الولايات المتحدة، وساعد بكين على تصوير واشنطن على أنها اللاعب المعزول في هذه القضية، بينما تتصدى للجهود الغربية لاستخدام ملف حقوق الإنسان في شينجيانغ لإبعاد الدول ذات الأغلبية المسلمة عن الصين.
رغم أن الصينيين والإسرائيليين نجحوا عموماً في فصل خلافاتهم السياسية عن علاقاتهم الاقتصادية في الأعوام الأخيرة، فإن موقف الصين المؤيد للفلسطينيين على نحو متزايد من شأنه أن يخلق قدراً كبيراً من التوتر في العلاقات الثنائية. وبينما كان نتنياهو يفكر في وقت سابق من هذا العام بالسفر إلى الصين والاجتماع بالرئيس شي جين بينغ، لمواجهة انتقادات إدارة بايدن للأجندة المحلية اليمينية المتطرفة للزعيم الإسرائيلي، فإن مثل هذا العرض من التحدي والاستقلال يبدو غير مرجح إلى حد كبير بالنظر إلى أمرين، دعم واشنطن القوي لإسرائيل في الصراع الحالي، وموقف بكين الأكثر تأييدًا للفلسطينيين.
الكاتب: غرفة التحرير