الثلاثاء 23 كانون الثاني , 2024 03:31

التدخل الإنساني المسلّح: تفويض لمحور المقاومة

التدخل الإنساني

يعد موضوع التدخل الإنساني من أهم المواضيع التي شكّلت جدلاً فقهياً ونقاشاً واسعاً على المستوى الدولي، ويُعرّف التدخل الإنساني بأنه "استخدام القوة المسلحة أو التهديد باستخدامها بواسطة دولة ما، أو بواسطة متحارب أو بمعرفة هيئة دولية، بغرض حماية حقوق الإنسان. فالتدخل الإنساني يفترض أنَّه موجّه إلى دولة ما متهمة بأعمال القسوة والتعذيب ضد مواطنيها بطريقة فيها إنكار لحقوقهم الإنسانية الأساسية وبشكل يصدم الضمير الإنساني".

التدخل الإنساني المسلّح: تفويض غير مباشر لمحور المقاومة

أمام عجز المجتمع الدولي، وغياب الشرعية الدولية والقدرة على وقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة يومياً، أمام أعين العالم، وأمام عجز المنظمات والوكالات الدولية عن التدخل، أصبح محور المقاومة وبتفويض غير مباشر هو من يعمل على ذلك، وفقاً لمبادئ أخلاقية وإنسانية تبيح له دعم ومساندة الشعب الفلسطيني في محنته، ولاسترداد حقوقه المشروعة (المنصوص عليها في كل الشرائع السماوية والوضعية). فأمام هذا الكم الهائل من الانتهاكات السياسية والقانونية، وعجز منظمة الأمم المتحدة، بل والمجتمع الدولي كله عن وقف الانتهاكات الجسيمة في حق الشعب الفلسطيني، من حق قوى محور المقاومة دولاً وجماعات من غير الدول أن تتخذ كل التدابير الممكنة لرد العدوان عن غزة وشعبها، بل يمكن القول إنّ موقفها في هذه الحالة يكسبها المشروعية الكاملة للتدخل الإنساني المسلّح- ليس كما انتهجه الغرب في العديد من الدول- بل وفق مبادئ إنسانية وأخلاقية حقيقية هدفها دعم الخيار العادل للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، ووقف العدوان على المدنيين، وكشف جرائم الاحتلال التي تفوق كل التصورات وتنتهك كل المواثيق الدولية.

تدعيم مشروعية التدخل الإنساني المسلح في غزة

تؤكّد الحرب على غزة مرة أخرى جدية أطروحة القائلين إن منظومة حقوق الإنسان كما يتبناها الغرب لا تقوم على أيّ أساس أخلاقي مجرد، وإنما على أساس معايير انتقائية وتمييزية مزدوجة، وهذا ما يجعل من مطالبات الدّول الغربية باحترام حقوق الإنسان ورقة ضغط ومساومة ضدّ الأنظمة المعادية لها. وتدعم هذا الرأي سرعة استجابة هذه المنظومة لما يُعتقَد أنها جرائم حرب ارتكبتها روسيا في حربها على أوكرانيا، وتخاذلها أمام الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال في غزة.

أمام هذا العجز الدولي وغياب الفرص للتدخل الإنساني كما وضعت أسسه القوى الدولية سابقاً واعتبرته محفزا للتدخل دون قيود وبعيداً عن الاستثناءات التي يبيحها القانون الدولي، من الممكن للجهات الفاعلة من غير الدول التدخل وفق هذا المعنى، أي أنه بالإمكان ان تستخدم هذا الحق الدولي للحد من الانتهاكات الحاصلة، سواء بتقديم أدوات الحماية الإنسانية او بالتدخل العسكري الضاغط على العدو لوقف العمليات العسكرية والانتهاكات الجسيمة الواقعة.

الهوّة بين النظرية والتطبيق

على الرغم من التطور الهائل الذي حدث في مجال حقوق الإنسان إلا أّنه ينبغي تقليص الهوّة الشاسعة بين المبادئ النظرية والواقع العملي، فمع وجود ترسانة هائلة من النصوص الدولية التي تكفل حقوق الإنسان تشريعياً، إلا أنه يمكن أن نلحظ بوضوح قصور آليات الحماية المفترضة عمليا، ولذا وجب وضع هذه الأحكام والقواعد المتعلقة بحقوق الإنسان موضع التنفيذ.

في هذا الإطار، مَنح التدخل الإنساني المسلح الفرصة لقوى محور المقاومة لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي المنافية لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية. كما يمكن اعتبار هذا الدعم مشروعاً لأنه يدافع عن قضية محقة، عجز المجتمع الدولي بمنظماته وقواه عن الدفاع عنها، بل وساهم في اسقاطها لأجل كيان محتل غير شرعي.

إنها معادلة جديدة في قلب متغيرات إقليمية ودولية تُحتّم اليوم، النظر إلى التدخل الإنساني المسلّح بشكل مختلف تماماً عما وضعه الغرب في السابق. هذا التدخل الإنساني المسلّح قائم وفق مشروعية جديدة تبيح لكل حر في هذا العالم اتخاذ كل التدابير والإمكانات المتاحة سياسياً وعسكرياً لدعم هذه القضية العادلة، ومساندة هذا الشعب حتى يسترد حريته وحقوقه المشروعة كاملة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور