في خضم المرحلة الحساسة التي يعيشها الكيان الإسرائيلي بعد مئة يوم على معركة طوفان الأقصى من دون تحقيق أهدافه المعلنة، أتت خطوة جنوب أفريقيا كإنذار قانوني يوصم الكيان المؤقت بالإبادة الجماعية، ويكشف زيف السردية الإسرائيلية التي حاول ترويجها في وسائل الإعلام منذ بداية المعركة، في هذا الإطار، كثرت التحليلات والتغريدات والتصريحات التي صدرت عن القادة الإسرائيليين ووسائل الإعلام التابعة لهم كرد على التهم المنسوبة إليه، والتي تدل على قلق وارتباك الكيان المؤقت، في محاولة لإعادة تلميع صورته في العالم.
كيف تلقف الكيان المؤقت جلسة المحكمة الدولية؟
- سارع الكيان المؤقت إلى تكذيب الحقائق والاتهامات، وتصوير نفسه كضحية، ورد الاتهامات المنسوبة إليه وتبريرها، واعتبر الدعوى وقاحةً وسخفاً من قِبل جنوب أفريقيا. في هذا السياق، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "نحن نحارب الإرهابيين ونحارب الأكاذيب، اليوم رأينا مرة أخرى عالماً مقلوباً رأساً على عقب، دولة إسرائيل متهمة بالإبادة الجماعية، بينما هي تحارب الإبادة الجماعية. إن نفاق جنوب أفريقيا يصل إلى السماء". كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: "لقد شهدنا اليوم أحد أعظم عروض النفاق في التاريخ وسلسلة من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة".
- اعتبر سقوط ضحايا من المدنيين في القتال أمراً لا مفر منه وبث الاتهامات الكاذبة بحق حماس حول استغلالها المدنيين في الحرب واتخاذهم دروعاً بشرية. فصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية "يتجاهل ممثلو حماس في المحكمة، والمحامين من جنوب إفريقيا، أيضًا حقيقة أن حماس تستخدم السكان المدنيين في غزة كدروع بشرية وتعمل من المستشفيات والمدارس وملاجئ الأمم المتحدة والمساجد والكنائس بنية تعريض حياة السكان للخطر.
- حاول تبرير تصريحات القادة الإسرائيليين التي توحي بالقتل والإبادة بأنها تصريحات غامضة تحتمل عدة تفسيرات، وهي معنية بحركة حماس وليس بالفلسطينيين. رفض البروفيسور مالكولم شو، الذي يقود فريق الدفاع الإسرائيلي في لاهاي، ادعاءات جنوب أفريقيا باعتبار تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لا تعكس نية ارتكاب إبادة جماعية. ونقل شو عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قوله إن "إسرائيل ليس لديها نية لاحتلال غزة بشكل دائم" وأن "إسرائيل تقاتل حماس، وليس السكان الفلسطينيين".
- تبرير كل ما فعله الكيان على أنه رد طبيعي على عملية طوفان الأقصى. حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية: "تسعى جنوب أفريقيا إلى السماح لحماس بالعودة وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم الجنسية التي ارتكبتها في 7 تشرين الأول/أكتوبر مراراً وتكراراً كما صرح قادتها". كما صرّح ممثل "إسرائيل" في جلسة لاهاي: بتاريخ 7 تشرين الأول قام إرهابيو حماس بالتعذيب والحرق والاختطاف والاغتصاب، إنها إبادة جماعية.
يلخص المحلل السياسي في موقع "والاه" براك رافيد، أزمة الكيان في خضم مرافعاته في المحكمة الدولية مُبرزاً فشله منذ بداية طوفان الأقصى بالتالي: "من السهل القول إن مناقشة لاهاي هي نفاق، وما إلى ذلك، جزئيا لأنه صحيح. لكن وصول إسرائيل إلى هذا الحد يشكل فشلاً سياسياً خطيراً للحكومة، إلى جانب الفشل الأمني والاستراتيجي الذي أدى إلى 7 أكتوبر. السياسات المتطرفة وغياب الحكم والتصريحات غير المسؤولة لرئيس الوزراء والوزراء وأعضاء الكنيست ساهمت فيما حدث اليوم".
تبرز أهمية خطوة جنوب أفريقيا أنها تضع القضية الفلسطينية على السكة الدولية الصحيحة، من ناحية أحقيتها على صعيد القانون الدولي، بغض النظر إن نفذت قراراتها أو بقيت حبراً على ورق، إن مجرد مثول كيان الاحتلال الإسرائيلي في المحكمة يدلّ على خطورة الاتهامات، وتأثيرها الكبير على سمعته في الرأي العام العالمي، وتقويض الدعم الدولي له، وارتفاع أصوات إدانته عالمياً. بالمحصّلة، وصم الكيان المؤقت باعتباره "دولة" فصل عنصري وكيان متهم بإبادة شعب في المحاكم الدولية، خطوة مؤثرة على صعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يبنى عليها في الحاضر والمستقبل.
الكاتب: حسين شكرون