بقرار مفاجئ داهم الجلسات التي كانت تنعقد طيلة الفترة الماضية لمناقشة اسم خَلف لرئيس الوزراء في حكومة عدن، أرغمت الولايات المتحدة الجانبين الاماراتي والسعودي بالقبول بأحمد بن مبارك. هذا الاسم الذي وُضع بقوة على الطاولة في هذا التوقيت، يحمل دلالات على بدء مشروع أميركي تريد به واشنطن إعادة هندسة تلك المنطقة، بمسار لا ينتهي مع وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعودة الإقليم إلى هدوئه النسبي الحذر. اذ ان السفير السابق لليمن والذي شارك واشنطن معلومات استخباراتية خلال أولى أيام الحرب على البلاد، حتى بات يوصف "برجل المحسوب على الإدارة الأميركية"، بدء ولايته بالتأكيد على انخراطه بالتصدي "لتحديات المرحلة الراهنة" والشراكة "الإقليمية والدولية".
أصدر مجلس القيادة الرئاسي الذي تم تشكيله سابقاً في العاصمة السعودية، قراراً بتعيين وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك رئيساً جديداً للوزراء في الحكومة التابعة للرياض أيضاً. هذا الاسم الذي أثار حفيظة الامارات أولاً، والمجلس الانتقالي الجنوبي على وجه التحديد، الذي كان يفاوض حتى الأيام الأخيرة على اسم من دائرته الضيقة او مقبولاً لدى قياداته. في حين أن السعودية غير الراغبة في التورط بأي شكل من أشكال المواجهة المباشرة مع صنعاء، اتخذت موقفاً شبه حيادي، على الرغم من أن أي تحرك أميركي محتمل ضمن الجغرافية اليمنية التي تسيطر عليها القوات المدعومة سعودياً، سيتطلب ضوءاً اخضر من المملكة، بشكل أو بآخر.
هذه الترتيبات السياسية في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد اعتداءات أميركية بريطانية متكررة نتيجة تدخلها المباشر والمؤثر لنصرة الشعب الفلسطيني، وقرار قياداتها في صنعاء المضي بهذا القرار حتى وقف الحرب على القطاع، تقع ضمن إطار الإجابة على إشكالية الخيارات المفتوحة أمام واشنطن لوقف هذه الهجمات حالياً، ثم تجريد صنعاء من قدرتها على إعادة الكرّة في أي حرب مقبلة.
يتركز مسار واشنطن في اليمن على عدد من الإجراءات. فإلى جانب الجهد الدبلوماسي، الذي يعيد الطروحات التي كان قد قدّمها سابقاً كإغراءات إلى صنعاء لوقف الهجمات، ثم التهديد والتلويح بعودة الحرب. ذهبت الإدارة الأميركية إلى خيار إعادة اشعال الجبهات. وبحسب مصادر مطلعة، لوحظ تحرك عسكري في جبهات مأرب والحديدة والجوف وشبوة. وتشير المصادر نفسها، إلى ان الرياض لا تزال ملتزمة بوقف إطلاق النار وبمرحلة خفض التصعيد، على الرغم من انتهاء مدة الهدنة. وهذا ما يشير إلى انها متمسكة بالتوصل إلى انهاء الحرب مع اليمن إلى غير رجعة.
من ناحية أخرى، فإن ضمور الخيارات أمام واشنطن في المرحلة الحالية، يجعلها في موقف حرج مستقبلاً. اذ أنها حالياً، وخلال مرحلة التصعيد والذريعة التي اتخذتها لتنفيذ اعتداءاتها العسكرية ضد المحافظات اليمنية، ترى نفسها مقيدة رغم فائض القوة الذي تمتلكه، والفارق الواضح في القدرات العسكرية مقارنة بقدرات صنعاء. وهذا ما يجعل الأسئلة حول كيف سيتمكن البيت الأبيض من وقف استنزاف الهيبة الأميركية الغربية في المضائق والممرات البحرية مقابل السواحل اليمنية، عندما ينجلي غبار حرب الإسرائيلية عن المنطقة، مشروعاً.
وتقول صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، أن محاولة وقف الهجمات في البحر الأحمر هو تحد حقيقي. وأضافت "محاولة الولايات المتحدة وقف الهجمات قد ينطوي على محاولة ضرب واستباق الهجمات من خلال ضرب الصواريخ والطائرات بدون طيار ومنصات الإطلاق". وأشارت الصحيفة في معرض تقييمها للضربات أنه "حتى الآن، فضلت الولايات المتحدة هذا النهج. ما يعنيه هذا هو أنه من المقامرة أن الحوثيين ليس لديهم كمية لا تنضب من الصواريخ والطائرات دون طيار. وهذا يعني أيضاً السماح للحوثيين باختيار الوقت والمكان للهجوم، والأمل في أن يكون الطيارون الأميركيون ضمن النطاق عندما يحدث ذلك".