لم يعد في قطاع غزة غذاء يسد الرمق، ولا تزال آلة العدوان الإسرائيلي مستمرة بارتكاب المجازر، وآخرها "مجزرة الطحين"، التي استشهد فيها أكثر من 110 فلسطيني، حيث استهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي ليل الأربعاء في أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات عند دوار النابلسي شمال القطاع، حيث لم يسلم الجوعى من القصف الإسرائيلي.
سياسة التجويع التي ينتهجها الكيان أصبحت أداة للتهجير القسري للسكان وكأسلوب للإبادة الجماعية، وما بين الشمال والجنوب، تُرتسم كارثة إنسانية من خلال استخدام الجوع كسلاح في الحرب، والتي تحظره كافة الديانات وتعدّه القوانين الدولية جريمة حرب.
ملامح المجاعة وأهدافها
بدأت ملامح المجاعة تظهر على من تبقّى من سكان شمال القطاع مع الإصرار الإسرائيلي على منع دخول أي مساعدات غذائية، في ظل موجات من القصف الجوي العنيف، ومعارك برّية مع المقاومة، وتشير التقديرات إلى أن هناك ما بين 300 ألف و700 ألف شخص يوجدون في مدينة غزة وشمالها، وهؤلاء ترغب إسرائيل بإجلائهم من المنطقة ودفعهم للنزوح جنوباً عبر منع إيصال الماء والغذاء والوقود بالإضافة إلى جرف التربة الزراعية. تهدف إسرائيل إذن من اتباع سياسية التجويع إلى تفريغ غزة من سكانها شمالاً كما جنوباً، بممارسة التهجير القسري، وعلى الرغم من أن جنوب القطاع تصله مساعدات غذائية من عدة دول لكنها شحيحة جداً، ولم تستطع أن تخرج السكان من خطر المجاعة، أضف إلى ذلك الإجراءات الإسرائيلية التي تمنع دخول هذه المساعدات بشكل كبير، واتباع سياسة فتح وإغلاق المعابر، في هذا الإطار لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون في الطاقم الحكومي بتصريحاتهم عن نيتهم باستخدام سياسة التجويع لتقليل عدد السكان في القطاع، كالدعوة إلى الإبقاء على 150 ألف فلسطيني فقط في غزة. ووجد صناع القرار طريقة إغلاق الإمدادات الغذائية كحل لقتل المزيد من السكان.
الموت الصامت
يعاني الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من واقع شديد البؤس بعد أن تمّ حرمانه من الحقوق الأساسية، في ظل تصريحات دولية يقابلها خضوع دولي بالشروط الأميركية-الإسرائيلية لدخول المواد الغذائية الأساسية. تجويع السكان المدنيين في قطاع غزة سيترك آثاراً طويلة المدى لا يمكن تداركها، مع تأكيد الخبراء على أن أعداد الضحايا الناتجة عن الجوع والأمراض المقترنة به، قد يفوق عدد الذي قتلتهم الضربات العسكرية الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول.
ختاماً، لم يبقى الاحتلال الإسرائيلي على جريمة حرب إلا واستخدمها على غرار التجويع، وباقي جرائمه ضد الإنسانية، المخالفة للمواثيق والقوانين والمعاهدات الإنسانية الدولية، وجميع هذه الجرائم تتم بدعم سياسي وعسكري أميركي، بالإضافة إلى تواطؤها دبلوماسياً، من خلال رفضها عدة مرات في مجلس الأمن وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. تضيف الحالة الإنسانية المزرية في غزة مسؤولية دولية على عاتق المجتمع الدولي الذي عليه أن يسارع بالضغط السياسي على كيان الاحتلال. أما عن المساعدات الدولية التي ترمى من الطائرات فهي غير كافية ولا ترقى إلى مستوى الحلول الجزئية للأزمة. تعتبر سياسة التجويع عبئاً أخلاقياً يضاف إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية-الأميركي في المنطقة والعالم، وعلى جميع الشعوب والدول الحرة مناصرة هذه القضية الإنسانية والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.
الكاتب: حسين شكرون