لم يكن استمرار الحرب على قطاع غزة لصالح كيان الاحتلال. ليس فقط لناحية عدم استطاعة تحقيق أهدافه، بل ان الخسائر التي مُني بها تعدو كونها اقتصادية وبشرية لتصل إلى السردية التي كان من خلالها يستطيع حشد التأييد الدولي، تماماً كما فعل في حروبه السابقة. اذ أن المخاطب بالسردية خلال هذه الجولة تحديداً، ليس رؤساء الدول بل كل شعوب العالم، التي تراقب عن كثب "الأخطاء الإسرائيلية" التي تصدح في المجتمع الدولي، حيث تعترف بها المنظمات الدولية ويستغلها الرئيس الأميركي سياسياً.
شكّل استهداف الطائرات الإسرائيلية سبعة عمال إغاثة من المطبخ المركزي العالمي، ثغرة إضافية في "الصورة" التي يحاول الكيان تقديمها بالتزامه بقرار مجلس الأمن الأخير، الذي دعم وقف إطلاق النار وطالب بوقف الأزمة الإنسانية.
اعتذر رئيس الوزراء ووزير الحرب الإسرائيلي وأعلنوا عن خطوات لمحاولة منع حدوث ذلك مرة أخرى. وقال قال كبير ضباط الجيش الإسرائيلي أن ذلك "كان خطأ أعقب خطأ في تحديد الهوية". هذه المحاولة في التنصل من المسؤولية على اعتبار ما جرى هو "ضريبة الحرب ووقوع الضحايا هو جزء أساسي منها" وفق تعبيرهم، أعقبها توريط أميركي أكبر لبنيامين نتنياهو.
قام الرئيس باسترضاء الفصيل المناهض لإسرائيل في الحزب الديموقراطي من خلال إدانة إسرائيل بشدة، وإلقاء المحاضرات عليها ثم إلقاء اللوم على الكارثة الإنسانية الأكبر في غزة. وبتحريض من الإجماع الإعلامي الليبرالي الناشئ المناهض لإسرائيل، دعا بايدن إلى "وقف فوري لإطلاق النار" وحث إسرائيل على تقديم تنازلات جديدة في مفاوضات الرهائن. ثم هدد بايدن كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بأنه "إذا لم نر التغييرات التي نحتاج إلى رؤيتها من إسرائيل سيكون هناك تغيير في سياستنا". مضيفاً "هذا الحادث هو رمز للمشكلة الأكبر ودليل على سبب صعوبة توزيع المساعدات في غزة. ولكن بعيدا عن الضربة، ما هو واضح هو أنه يجب على الجيش الإسرائيلي أن يفعل المزيد لتحسين عمليات منع الاشتباك حتى يتم حماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية".
تقول صحيفة وول ستريت جورنال في هذا الصدد، أن "هذه هي انتهازية إدارة بايدن، التي تستخدم مأساة المطبخ المركزي العالمي لدفع إسرائيل إلى قطع الحرب والسماح لحماس بالبقاء. إنه أيضا أسوأ شيء يمكن أن يفعله الرئيس لتحرير الرهائن".
في 29 آب/ أغسطس، أصاب صاروخ هيلفاير أميركي سيارة في منزل عائلة في كابول فيما وصفه الجنرال مارك ميلي بأنه "ضربة صالحة". واتضح أن الغارة قتلت 10 مدنيين، بينهم سبعة أطفال. لكن إدارة بايدن لم تكن سريعة في الاعتذار. استغرق الأمر أسابيع حتى يعترف البنتاغون بما وصفه بأنه "خطأ مأساوي".
هذه الحادثة تستخدم ضد إدارة بايدن في زمن الانتخابات الرئاسية لتجعله أكثر انتقائية في التعاطي مع كيان الاحتلال، وتصفه شريحة واسعة من الاميركيين على أنه يملي الأوامر على الحكومة الإسرائيلية ويلقي عليها كل اللوم، لأغراض سياسية.
تكرر هذا الأمر مع الاتهامات التي طالت حركة حماس عقب هجوم 7 أكتوبر، بقطع رؤوس الأطفال الرضع والتي تبناها بايدن دون تحقيق، وعاد ليعتذر عن هذا الأمر لاحقاً.
هذا التضارب "بالحقائق" والأحداث التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية ثم تضطر لتغيير سرديتها والاقرار بعدم صحتها، ثم تتناقلها المنابر الأكثر شهرة في العالم، يجعلها تفقد "المصداقية".
وتقول جينيفر روبين، كاتبة عامود في صحيفة واشنطن بوست، أن الضغط من داخل إسرائيل والمجتمع الدولي قد اشتد بالتأكيد على رئيس الوزراء المحاصر الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، والذي يحاكم أيضاً بتهم الفساد. يجب أن تصبح المواجهة أكثر إحكاماً وأن تصبح المعارضة أكثر دراماتيكية - على سبيل المثال، إضراب وطني، واستقالة كبيرة من الجيش الإسرائيلي، وتهديد بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية - إذا كان نتنياهو سيغادر عاجلا وليس آجلا. وبعبارة أخرى، فقط عندما يبني إجماع على أنه يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، سيكون هناك ضغط كاف لإجباره على التنحي خلال زمن الحرب". مضيفة "عندما يغادر نتنياهو أخيرا، ستترك إسرائيل أكثر عزلة واضطرابا وحرمانا من النوايا الحسنة أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. قد يستغرق الأمر عقودا للتعافي من إرث نتنياهو".
الكاتب: غرفة التحرير