الجمعة 03 أيار , 2024 06:33

هل ستمتد المعركة بين "إسرائيل" وحزب الله إلى حرب واسعة النطاق؟

مقاتل من حزب الله يرمي صاروخ

أثارت الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال العديد من الأسئلة، طرحها الإعلام الإسرائيلي وكتاب الصحف على مدى 7 أشهر، تتمحور حول سكان الشمال وشعورهم بالأمان، وتأثيرات المعركة الدائرة مع حزب الله، والكلفة الاقتصادية، والفعل ورد الفعل، والأسلحة المستخدمة والخسائر المادية والبشرية وغيرها من العناوين والأسئلة الأساسية والفرعية التي أفرزتها يوميات الصراع في جنوب لبنان. لكن على الرغم من أهمية هذه التساؤلات يبقى السؤال الجوهري الذي يسيطر على اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء هو التالي: هل ستمتد المعركة بين "إسرائيل" وحزب الله إلى حرب واسعة النطاق؟

يسأل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS هذا السؤال في دراسة بعنوان "احتمالات اتساع الصراع بين إسرائيل وحزب الله".

في البداية، النظرة الإسرائيلية لحزب الله كما يراها الإعلام الإسرائيلي وكتاب الصحف وما يعكسه هذا الإعلام من توجهات الإدارة السياسية والعسكرية في كيان الاحتلال هو الموقف التقليدي لإسرائيل الذي يعتبر أن خطر حزب الله العسكري وتصميمه وإرادته وعزيمته في إدارة الصراع معه تختلف عن بقية أطراف محور المقاومة، ويعتبره في مصاف الجيوش التي لها مقدراتها من حيث تصنيع العتاد واستخدام السلاح النوعي وتدريب العناصر والاستفادة من الخبرات وأنّ ما يلحقه جيش الاحتلال من خسائر في صفوف المقاومة بشرية ومادية لا ترقى إلى شل هذه المقاومة، لأنّها تقوم على أسس محكمة ومتقنة وتقدر بسهولة على ترميم أي خسائر تصيبها. ويشهد الإعلام العبري في أكثر من موضع أن قيادة حزب الله عقلانية في ردود أفعالها وذكية جداً، توازن الرد من دون تسرّع، وتجبي الأثمان السياسية بأقل كلفة عسكرية وبشرية ممكنة.

طريقة عمل حزب الله

في إطار الحديث حول نظرة الإعلام الإسرائيلي في إدارة مستوى تصعيد حزب الله، يورد معهد INSS التالي: "يسعى حزب الله إلى إعاقة جهود إسرائيل لتحقيق أهدافها المعلنة في الحرب في قطاع غزة وإنهائها. وتستخدم المنظمة، التي تحرص على عدم تصعيد القتال ضد إسرائيل، أسلحة قصيرة المدى". ويضيف "ومع ذلك، في يناير 2024، بدأت أيضاً في استخدام Almas، وهو صاروخ موجه متقدم مضاد للدبابات، من صنع إيران، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية البوركانية والفلق، وهو صاروخ قصير المدى قادر على حمل حمولة كبيرة - مما تسبب في المزيد من الأضرار. في الأسابيع الأخيرة، زاد حزب الله أيضاً من استخدامه للطائرات بدون طيار الهجومية، والتي لها أيضاً نطاق محدود نسبياً. على الرغم من أن المنظمة لم توسع نطاق هجماتها الصاروخية، إلا أنها تفعل ذلك رداً على عملية غير عادية من قبل الجيش الإسرائيلي. يدعي حزب الله في تقاريره اليومية أنه يشن فقط هجمات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية وأنه لا يخرج عن أسلوب العمل هذا إلا ردًا على الخسائر المدنية التي تسببت فيها عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي".

إنجازات حزب الله

تعدد الدراسة إنجازات حزب الله المباشرة وتؤكد أن الإنجاز الأعظم الذي حققه هو إجلاء السكان في المستوطنات الشمالية (كانت معضلة سكان الشمال ولازالت هي المحرّك الأول في عقل متخذ القرار الإسرائيلي في توسيع الحرب أو إبقائها في المستوى المضبوط). من الجدير ذكره أن عدد اللاجئين وعدد القتلى كما أوردته الدراسةغير صحيح حيث أشار معهد INSS بأن "عدد اللاجئين 60000 وعدد القتلى 21 إسرائيلياً" في حين تقدّر أعداد اللاجئين 230 ألف مستوطن تم إخلاؤهم من مستوطنات الشمال، وأعداد القتلى أكثر من 158 قتيل في الجبهة الشمالية وفق إحصاء أجراه موقع "الخنادق" وبالاستناد إلى الإعلام الحربي التابع لحزب الله. تأتي الأرقام غير الواقعية التي يعتمدها الإعلام الإسرائيلي ضمن إطار الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام، وعلى الرغم من ذلك يعتبر المعهد أنها من ضمن إنجازات حزب الله، حيث يقول: "يُظهر تحليل لتوازن القوى الحالي بين الأطراف المتحاربة أنه على الرغم من النطاق المحدود للصراع، يمكن لحزب الله التباهي بالعديد من الإنجازات، والتي يسلط نصرالله الضوء عليها في خطاباته. ويشمل ذلك إلزام جيش الدفاع الإسرائيلي بالجبهة الشمالية في محاولة لاستنفاده؛ وإلحاق الضرر بمواقع وقواعد جيش الدفاع الإسرائيلي؛ وإسقاط عدة طائرات إسرائيلية بدون طيار؛ وتدمير الهياكل الأساسية والمباني المدنية والمنازل السكنية والمزارع على طول الحدود؛ وتسبب في سقوط قتلى إسرائيليين وإن كان ذلك بأعداد قليلة - قتل 21 إسرائيلياً حتى الآن، من بينهم 12 جنديا. ومع ذلك، كان أعظم إنجاز لحزب الله هو في الواقع قرار الحكومة الإسرائيلية بإخلاء المجتمعات 43 على طول الحدود (حوالي 60000 شخصاً) خلال الأيام القليلة الأولى من الحرب، مما أدى إلى إنشاء مساحة غير مأهولة تقريباً من الأراضي في شمال إسرائيل لأول مرة منذ عام 1948".

سيناريوهان يمكن أن يوديا إلى حرب واسعة

تضع الدراسة سيناريوهين محتملين سيؤديان إلى حرب واسعة ولا يستبعد الكاتبان فرضية الحرب الواسعة فيقولان :"لا يمكننا استبعاد احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق وربما تصعيدها إلى صراع واسع النطاق يشمل أعضاء آخرين في محور المقاومة المدعوم من إيران. مثل هذه الحرب ستكون مدمرة ومكلفة لجميع المعنيين". 

وبحسب المعهد: "هناك سيناريوهان رئيسيان يمكن أن يؤديا إلى هذه النتيجة.

- يستند السيناريو الأول إلى تقييم مفاده أن الديناميات الحالية للقتال، التي تتصاعد باستمرار، يمكن أن تؤدي عن غير قصد إلى تصعيد غير منضبط. هذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى أن حزب الله يربط القتال المستمر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالحملة الإسرائيلية في قطاع غزة.

يعتمد السيناريو الثاني على قرار إسرائيل ببدء عملية أوسع تنتهك "قواعد الاشتباك" في القتال حتى الآن من أجل تغيير الواقع الأمني على الجبهة الشمالية. بدلاً من ذلك، بمجرد انتهاء معظم القتال في غزة، يمكن لإسرائيل إعطاء الأولوية لإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله على حدوده الشمالية، أو بسبب الحاجة الملحة، السماح للإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم بالعودة إلى ديارهم في هذه المنطقة".

توصيات

في ختام الدراسة أصدر المعهد عدة توصيات:

- طالما استمر القتال ولم يكن هناك وقف لإطلاق النار، فمن الأهمية بمكان أن تركز إسرائيل على تعظيم الضرر الذي يلحق بحزب الله ومحاولة تغيير قواعد اللعبة التي تحاول السيطرة عليها.

- في الوقت نفسه، يجب على إسرائيل الحفاظ على حوار مستمر مع الإدارة الأمريكية للاستفادة من فرصة التقدم بحل سياسي، بما يتماشى مع المقترحات التي نوقشت مع المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين.

- بالنظر إلى الظروف التي أوجدتها الحرب في غزة، من الأفضل أن تتجنب إسرائيل حرباً واسعة النطاق مع حزب الله.

- يجب على إسرائيل تأجيل أي محاولات لإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله إلى موعد لاحق.

في الختام، بالاستناد إلى الدراسة التي أجراها معهد الأمن القومي الإسرائيلي، سيناريو التدحرج إلى حرب واسعة لا يزال وارداً نظراً لاحتمالين "تصعيد غير منضبط من حزب الله" و"قرار إسرائيلي بعملية واسعة"، وإن كانت المؤشرات الحالية برأينا لا تنبئ بذلك، حيث أثبت حزب الله مستوى مرتفع من العقلانية منذ بداية المعركة وعلى مدى 7 أشهر يقلل من احتمالية الخروج عن الضوابط المرسومة، أما عن قرار إسرائيلي بتوسيع الحرب فيمكن استبعاد ذلك في الوقت الحالي بالحد الأدنى ليس من المرجح حصول ذلك قبل انتهاء عملية رفح المحتملة، لكن ترتفع مرة جديدة مؤشرات الحرب إن قرر الإسرائيلي بعد انتهاء الحرب في غزة إلى تغيير المعادلة في الشمال ربطاً بعودة المستوطنين إلى المستوطنات الحدودية (معضلة سكان الشمال الذي اعتبرتها الدراسة أهم انجاز حققه حزب الله). ومن الجدير الإشارة أن تقييم الحرب الواسعة يتم بشكل منتظم بأخذ المعطيات الميدانية من عمق الاستهداف والسلاح المستخدم وأعداد الموتى ومكان وزمان الاستهداف ومستوى التصعيد بعين الاعتبار.   


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور