الثلاثاء 28 أيار , 2024 03:35

مستوطنو الشمال..بين التآكل الاجتماعي والتردّي الاقتصادي

المستوطنون في الشمال الإسرائيلي

بعد أكثر من سبعة أشهر منذ بداية المعركة بين المقاومة اللبنانية وكيان الاحتلال، تشير الإحصاءات إلى نزوح حوالي 230 ألف مستوطن من شمال "إسرائيل" بالإضافة إلى الدمار والأضرار الذي لحق بالوحدات السكنية، حيث بلغ عدد الوحدات السكنية الذي لحق بها الدمار والأضرار إلى 930 وحدة سكنية موزعين على 86 مستوطنة في الشمال، بحسب وزارة الأمن الإسرائيلية.

يشير الوضع في الجبهة الشمالية الإسرائيلية إلى أزمات بمختلف المستويات منها الاجتماعية والاقتصادية، وسط تعتيم إعلامي من المستوى الرسمي للخسائر المادّية والعسكرية. فقد ترك التهديد الوجودي في الفترة الأولى من الحرب آثاراً مباشرة على النازحين من المستوطنات الشمالية، وذلك بالانسلاخ الجذري عن البيئة والحياة السابقة قبل الحرب، في ظل ضبابية المصير وافتقاد الشعور بالأمان والإحباط من تعاطي الحكومة الإسرائيلية معهم.

التآكل الاجتماعي

في المرحلة الراهنة فقد المجتمع مناعة امتصاص الصدمات، وتراجعت قدرته على التعامل مع التحديات، وأصبح الميل للاستسلام للواقع الجديد والجنوح نحو بناء مسار وخطط منفصلة عن الخطة الحكومية المبهمة، هذا المسار من التكييف والانفصال خطير بتداعياته على البنية الاجتماعية والديمغرافية للشمال.

وبالتالي، ينذر بتآكل اجتماعي على وقع تفكك الروابط الأسرية، ورفض المكوث في المجتمع الانتقالي، بالإضافة إلى فقدان الارتباط بالدولة، فكلما طالت أمد الحرب تعمّق الصدع بين المجتمع والحكومة، ويمكن القول أن علاقة الثقة كُسرت بين غالبية المجتمع الشمالي والدولة، ويتطلب ترميمها سنوات طويلة، فالخطاب العام في مجتمع النازحين انتقل من أولوية تغيير الواقع الأمني للعودة إلى سيطرة القلق المضطرب من سياسات الحكومة، وإهمال الدولة بالتقاعس عن التعويضات، وغياب التواصل مع المسؤولين، وتحييد السكان عن مستجدات الوضع الأمني والمستقبلي في الشمال. وبالنسبة للعائلات التي ترغب بالعودة لعدم تقبلها المجتمع الانتقالي، فإنهم يدركون أنهم سيعودون إلى واقع مختلف لمشهد الشمال قبل الحرب.

التهديد الوجودي الاقتصادي

 تحولت أزمة النازحين من المطالبة باليقين الأمني إلى المطالبة باليقين الاقتصادي. وفي طريقة احتواء الأزمة بدأت الحكومة ببناء مناطق نزوح مؤقتة، وخصصت ميزانية ضعيفة تقدّر بحوالي 6 مليارات 3 منها لا تمتلكها خزينة الدولة ولم يتم صرفها حتى الآن.

ويتجلّى المشهد الاقتصادي في الشمال بالتالي:

- عدم قدرة تصريف المنتجات الزراعية وتسويقها، والتحذير من فقدان الناتج الغذائي الشمالي مع تصاعد الخسائر الزراعية وتراكم الأضرار طويلة الأمد.

- خسارة مصدر رزقهم، حيث يعمل أكثر من 80% من سكان الحضر والريف بالقرب من منازلهم.

- بطالة: سجلت معدلات البطالة نسبة 332% في المستوطنات المخلاة مقارنة بالسنة الماضية.

- غرق أصحاب المصالح في الديون وارتفاع تكاليف القروض بسبب الفوائد العالية.

- الإيرادات وصلت في أكثر المناطق إلى مستوى صفر.

- أنفق المستوطنون كل مدخراتهم، وتوجه كثيرون منهم لطلب المعونات والمساعدات والتبرعات. بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تقبّل الانحدار الحاد في المستوى الاقتصادي والقدرة الشرائية في ظل انعدام الدخل.

بالنسبة لسكان الشمال مقارنة مع باقي المجتمعات، فإنهم يخشون العودة إلى مجتمعاتهم حتى بعد توقف الحرب والتأهيل، وذلك بسبب أن مصدر رزقهم قد لا يستمر خاصة إذا كان يتعلّق بالتجارة أو السياحة. عبّرت إحدى المستوطنات عن حالة التردي الاقتصادي بقولها: "الدولة ليست مستعدة للدفع، ماذا عليّ أن أفعل؟ إنه يطردني من منزلي، فماذا عليّ أن أفعل من أجل لقمة العيش".

ربط وطأة المشهدين الاجتماعي والاقتصادي شكّل حالة نقمة لدى المستوطنين في الشمال على دولتهم مع فقدان الشعور بالاستقرار والانتماء. وبالتالي أصبحت الآفاق المستقبلية ضبابية تشوبها خسارة الرهان على عودة استقرار ما قبل الحرب في المناطق الحدودية، وما يرتبط به من ازدهار على مستوى سكن المستوطنين والحركة الاقتصادية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور