الجمعة 28 حزيران , 2024 11:59

المؤرخون اليهود الجدد يواجهون زيف السردية الصهيونية

مظاهرات ليهود معادون للصهيونية

برز مؤخّرا باحثون ومفكّرون وناشطون يهود في طليعة مُعارضي العدوان الإسرائيليّ على غزة. وقد انتقدُوا ليس فقط الحرب الدائرة في غزّة بل أيضاً الفكر الصهيوني والسرديّات التي أنبنى عليها. وفيما كانت هذه الأصوات حاضرةً دائماً، فإنّ حضورها لم يبرزْ يوماً كما برَزَ خلال الأسابيع الماضية، ولا سيما في أوساط اليهود الأميركيين والتحرّكات التي بادروا إليها في واشنطن ونيويورك.

وبالنظر إلى تنامي هذه الحركة، يطرح هذا المقال بعض أعمال المفكّرين والباحثِين والنّاشطين اليهود المناوئين للصهيونية، والذين يتمتّعون بحكم أصولهم اليهوديّة وانتمائهم للثقافة الغربيّة، على قدرة أكبر على تجاوز الحساسيات الموروثة من الحرب العالمية الثانية وتالياً في مواجهة الحواجز السردية الصهيونية. ولعلّ انتشار أعمال هؤلاء على "الإنترنت" خارج نطاق التقييد الإعلامي، كان له دورٌ وصدى في تصاعد الحركات اليهوديّة المناهضة للصهيونية في دول الشمال منذ حرب غزّة 2014، وفي خضمّ الحرب الوحشيّة على غزّة اليوم. فكيف ينظر هؤلاء للصهيونية باعتبارها مشروع إبادة جماعية، وكيف يواجهون السردية الصهيونية ويكشفون زيفها وتدليسها للتاريخ الحضاري والإنساني لفلسطين وشعبها الأصيل؟ مع نظرة تشاؤمية لمستقبل هذا الكيان وحتمية زواله.

إنّ كتابات إيلان بابي حول فلسطين (أفضل من كتب عن التطهير العرقي في فلسطين، بل وأغزر المؤرخين الجدد إنتاجاً) هامّة من ناحيتين: فهو يعتبر أنّ المشروع الصهيوني في فلسطين هو جينيّا مشروع للإبادة، وهو لا يستنتج ذلك من مصادر معادية للصهيونية، بل من المصادر الإسرائيلية ذاتها. أما الفكرة الثانية الهامة والرئيسية فهي اعتباره أن المقاومة الفلسطينية هي نتيجة حتمية لتعرض الفلسطينيين الذين يعتبرهم أصحاب الأرض الحقيقيين، لتلك الإبادة. أمّا في محاربة السرديات الصهيونية فيعتبر ماغور ماتي (طبيب متخصّص في أمراض "التروما" والإدمان) في أحد مقالاته تعليقاً على أحداث غزّة 2014 وكأنها اليوم: "سواء في فيتنام أو رواندا أو سوريا، تقف الإنسانية متفرجة إما بشكل متواطئ أو بغير وعي أو عاجزة، كما تفعل دائما. وفي غزة نجد اليوم طرقاً لتبرير قصف المستشفيات، وإبادة العائلات أثناء تناول العشاء، وقتل أطفال في سنّ ما قبل المراهقة وهم يلعبون كرة القدم على الشاطئ".

ويردف ماتيه أن "الحزب القوي في إسرائيل نجح في تصوير نفسه على أنّه الضحية، في حين أصبح من قُتلوا وشوهوا هم الجناة". ومؤخراً، جرى تداول مقطع من مقابلة له كان أجراها مع الكوميدي الشهير راسيل براند، لاقت رواجاً على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن تعليقات ماتي المكررة أن أطفال فلسطين لا يعانون من حالة ما-بعد-التروما، لأنّها (كأحداث) يوميّة ومستمرة بالنسبة لهم ولم تتوقف قط

في نفس السياق، أشار جدعون ليفي (ولد في تل أبيب من أب قادم من تشيكوسلوفاكيا، وحاصل على شهادة في القانون من جامعة براغ) إلى أن الأيديولوجية الصهيونية لعبت دور أساسي في شيطنة كل رأي مخالف وناقد ولا يعترف بها. كما ركّز راز سيغال (مقيم في الولايات المتحدة وهو أستاذ مشارك في دراسات المحرقة والإبادة الجماعية) على الإبادة الجماعية في غزة واعتبرها عار على الإسرائيليين الذين طالما يستذكرون الهولوكوست وابادة اليهود في أوروبا ويرتكبون اليوم في حق الفلسطينيين ما هو أبشع من الهولوكوست. بمقابل ذلك، ركّز جدعون جلعادي على العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، وتحدث أفي شلايم، الأستاذ الجامعي والمؤرّخ الدبلوماسي، عن معضلة اليهودي العربي داخل إسرائيل.

أمام هذه الآراء التي تبناها المؤرخون اليهود الجدد، تصاعد الحراك اليهودي المناهض للصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية. كما ظهرت بالمقابل أيضاً مواقف عديدة كشفت زيف شعار الدولة اليهودية وحتمية زوالها. وأظهر كل من شلومو ساند (بروفيسور ومدرس التاريخ في جامعة تل أبيب)، وإسرائيل فلنكشتاين (عالم آثار إسرائيلي، وأستاذ فخري في جامعة تل أبيب ورئيس كلية الآثار والثقافات البحرية في جامعة حيفا) ومجموعة من علماء الاثار الإسرائيليون، زيف اسطورة الحق الإلهي لليهود في فلسطين، وفضحوا زيف الادعاءات الصهيونية حول القدس والهيكل، كما فنّدوا الخرافات الصهيونية التي تأسست على الحق اليهودي في ارض فلسطين دونا عن الشعوب الأخرى، واستبعاد الشعب الفلسطيني من هذا الحق التاريخي الثابت.

انضم عدد من كبار علماء الآثار الاسرائيليين الى فنكلشتاين مؤيدين نظريته، فمن جانبه اتفق البروفيسور "يوني مزراحي"- وهو عالم آثار مستقل عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية - مع رأى فنكلشتاين، وقال إن "جمعية العاد لم تعثر حتى على لافتة مكتوب عليها "مرحبا بكم في قصر داود" برغم أن الموقف كان محسوماً لديهم في ذلك الشأن كما لو أنهم يعتمدون على نصوص مقدسة لإرشادهم في عملهم". في الإطار نفسه يرى خبراء إسرائيليون أن الهدف الرئيس من وراء أنشطة الحفريات هو دفع الفلسطينيين للخروج من المدينة المقدسة وتوسيع المستوطنات اليهودية فيها.

كل هذه الآراء والتحليلات والأبحاث تؤكد على أنّ هذا الكيان إلى زوال حتمي وأنّ مستقبل استمراره بات أمرا مشكوك فيه بل قريب من النهاية أكثر من أي وقت مضى.





روزنامة المحور