يواكب قادة الكيان الإسرائيلي وإعلامه بشكل ملحوظ مجريات الأحداث التي تدور في الداخل السوري بشكل دقيق وتفصيلي، خاصة بعد نجاح الجماعات المسلحة في إسقاط النظام الحاكم، ومما لا شك فيه أن مصلحة إسرائيل الدائمة كانت تغيير الحكم في سوريا بما يتوافق مع مصلحتها، لكن في ظل هذه الفوضى والمتغيرات المتسارعة، يعتمد الموقف الإسرائيلي من تهاوي النظام الحاكم على كيفية تأثير ذلك على أمنه القومي.
فعلى الرغم من أن النظام السوري يُعتبر عدواً تاريخياً لإسرائيل، إلا أن استقراره النسبي يُعتبر مفضلاً على سيناريوهات الفوضى أو تعزيز الدور الإيراني في سوريا. وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي يبدو براغماتياً، حيث تسعى إسرائيل إلى تحقيق التوازن بين تقليص التهديدات الإيرانية وتهديدات حلفائها، والحفاظ على استقرار الحدود. وهذا ما دفعها بشكل متواز مع إسقاط النظام الى بدء الأعمال العسكرية في الجولان السوري المحتل وصولا الى داخل الأراضي السورية، في محاولة لتفادي أي طارئ يهدد أمنها القومي والعمل على إنشاء منطقة عازلة. ومن أجل فهم الموقف الإسرائيلي يجب مناقشة العناوين التالية من المنظور الإسرائيلي:
1. المصلحة في الاستقرار على الحدود
رغم العداء التاريخي بين إسرائيل وسوريا، ترى إسرائيل أن بشار الأسد حافظ على استقرار نسبي في الجولان المحتل منذ اتفاق فك الاشتباك عام 1974. لذا، فإن إسرائيل تخشى من أن يؤدي سقوط الأسد إلى فراغ سياسي وأمني على حدودها، مما قد يُتيح المجال لجماعات مسلحة أو متطرفة أو الجماعات الموالية لإيران لتملأ الفراغ، بما يُهدد استقرار الحدود الشمالية للكيان وهذا ما تعبره إسرائيل غير مقبول وتهديد يستدعي التحرك العسكري حتى وضوح الرؤية السياسية الجديدة.
2. تحجيم الدور الإيراني في سوريا
إحدى النقاط الاستراتيجية التي حققتها إسرائيل من سقوط النظام الحاكم هو تحجيم الدور الإيراني؛ خاصة وأن إيران كانت بحسب الإتهامات الإسرائيلية تعمل على إنشاء قوى محلية في الجنوب السوري من أجل مهاجمة إسرائيل إنطلاقا من الأراضي السورية... وتعتبر إسرائيل أيضا أن النظام السوري كان يمثل محوراً أساسياً في التحالف الإيراني-السوري-حزب الله وخط إمداد أساسي. لذلك ترى إسرائيل في سقوط الأسد فرصة لإضعاف هذا المحور عبر تقطيعه وفصل جبهاته.
3. التخوف من الفوضى الإقليمية
تنظر إسرائيل بحذر إلى ما قد يتبع سقوط الأسد من فوضى داخلية في سوريا، إذ إن هذه الفوضى قد تؤدي إلى صراعات بين المجموعات المسلحة المختلفة أو بين القوى الإقليمية المتنافسة والتي قد تتوسع لتشمل الكيان الإسرائيلي.
4. سياسة الخطوط الحمراء
تبنت إسرائيل سياسة واضحة خلال الأزمة السورية طيلة العقد الماضي تقوم على منع أي تهديد مباشر لأمنها، خصوصاً نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله أو التمركز العسكري الإيراني بالقرب من حدودها. بناءً على ذلك، تعتبر إسرائيل أنها ليست معنية بتغيير النظام بقدر ما هي معنية بضمان مصالحها الأمنية بغض النظر عن الطرف الحاكم. إلا أن هذا الموقف بدأ بالتغير نسبيا بعد تعاظم قوة حزب الله وفشل السياسة الإسرائيلية في تحقيق مبتغاها.
5. الموقف البراغماتي
حافظت إسرائيل خلال العقد الماضي أي في فترة الأزمة السورية على موقف برغماتي، حيث لم تُظهر إسرائيل دعماً صريحاً للإطاحة ببشار الأسد على الرغم من دعمها الخفي لبعض قوى المعارضة، لكنها في الفترة الأخيرة وخاصة بعد طوفان الأقصى، سعت إسرائيل بشكل علني الى تهديد نظام بشار الأسد وأرسلت له تهديدات كثيرة عبر القيادة الروسية دعت فيها الى تخليه عن محور المقاومة مقابل الحفاظ على حكمه وسلامته. وبالتالي فإن إسرائيل لم تمانع يوما في سقوط النظام السوري بل شجعت عليه خاصة في حال أدى ذلك الى تقليص الدور الإيراني ودور حزب الله. إلا أن هاجس البديل هو ما يجعل قيادة الكيان الإسرائيلي في تردد.
ومع تهديدات نتنياهو خلال اعلان وقف إطلاق النار في لبنان، كان واضحا أن نتنياهو يوجه رسالة تحذيرية للرئيس السوري بشار الأسد، خاصة أن إسرائيل كانت على علم كما بعض دول الجوار بالتحضيرات والتحركات العسكرية التي تبدأ في إدلب، وبالتالي فإن إسرائيل نجحت في رهانها على الجماعات المسلحة المدعومة من أطراف خارجية في تحقيق أهدافها. بيد أن التخوف الإسرائيلي الحقيقي الأن يكمن في البديل، خاصة وأن الجماعات المسلحة تنقسم الى فصائل كثيرة ومتعددة القيادات، لذلك تنظر إسرائيل بحذر الى المستقبل القريب من أجل تحديد موقفها ودورها السياسي. بالمقابل ووفق العقيدة العسكرية الإسرائيلية وخاصة بعد طوفان الأقصى، بدأ الدور العسكري مبكرا في الجانب السوري، وذلك في إطار تفادي أي مفاجئات، اضافة الى تحقيق انجازلت تكتيكية واستراتيجية تصب في مصالح الكيان الإسرائيلي.