الثلاثاء 02 أيار , 2023 12:16

الاستيلاء على الأراضي الزراعية السودانية: لماذا دول الخليج؟

يمكن أن يكون السودان أحد أعظم سلال الخبز في العالم. ولكن، يقف هذا البلد اليوم على حافة الهاوية، بسبب النزاع على الأراضي وارتفاع أسعار المواد الغذائية. تفتقد دول الخليج خاصة، وبعض الدول الأخرى إلى عدم وجود موارد طبيعية زراعية لديها، وبالتالي فإنها تعاني إلى حدّ كبير من انعدام الأمن الغذائي، فلجأت إلى استثمار وشراء مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي يرويها نهر النيل لزراعة المحاصيل الغذائية الإستراتيجية وغيرها. وقد بدأ الظهور الهائل للاستثمارات الزراعية الأجنبية في السودان في أوائل عام 2000، عندما بدأ نظام الرئيس عمر البشير في تقديم الأراضي والمياه بشروط مؤاتية لدول الخليج.

كيف بدأت القصة؟

في أواخر عام 1999، ذهب الجيش الأردني للتسوق لشراء أرض في شمال السودان، صادف كشافوه ما بدا أنه جنة لزراعة الغذاء. كانت التضاريس شاسعة ومسطحة ومليئة بالمواد المغذية. وكانت المياه التي يمكن أن تسحبها من النيل القريب وفيرة بشكل مغرٍ. وكان المسؤولون المحليون السودانيون يحاولون تحصيل شروط مالية مواتية لهم بعد تحسّس هذه الثروة العظيمة. بدا كل شيء وكأنه فرصة لا يمكن تفويتها لتكملة الإمدادات الغذائية الوطنية في الأردن مع تحقيق ربح مرتب. استحوذ صندوق التقاعد العسكري على 37800 كلم2 من المناطق النائية وبدأ عمال المزارع في العمل.

وبعد فترة، ومع انتشار أخبار الثروات العتيدة، بدأت الأراضي المحيطة تمتلئ. استأجرت شركة باكستانية قطعة أرض كبيرة إلى الجنوب. بدأ السوريون الزراعة في الشمال. استحوذ الإماراتيون واللبنانيون واليمنيون وغيرهم على أكثر من 420000 كلم2 لكل منهم. أصبح الطريق السريع الرئيسي بين الشمال والجنوب مسدودًا بمقطورات الجرارات التي تحمل بالات القش التي ستصبح علفًا عبر البحر الأحمر. "هناك تربة جيدة، ومياه كافية، وأشعة الشمس، وكل ما تحتاجه لزراعة الكثير من المحاصيل"، كما يقول عبد العظيم الجاك، وهو مواطن من الخرطوم يدير مجموعة مزارع. "لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن الجميع يريد ذلك". يضيف الرجل.

الاستيلاء على الأراضي الزراعية السودانية

يشار إلى عمليات الاستحواذ الأجنبية هذه باسم "الاستيلاء على الأراضي"، لأنها تستهلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه في كثير من الأحيان دون اعتبار للمجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض. وبحسب قاعدة بيانات تمّ جمعها حول الاستيلاء على الأراضي من الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ومساهمات المواطنين، ثمة 762,208 هكتار من عمليات الاستحواذ على الأراضي في السودان منذ عام 1972، مع إبرام معظم الصفقات بعد عام 2000، وأصبحت العمليات متسارعة بعد الأزمة العالمية عام 2008.

تم تخصيص معظم هذه الأراضي ل 28 صفقة عابرة للحدود، مع شركات من دول الشرق الأوسط بشكل رئيسي - بما في ذلك قطر ومصر ولبنان والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسوريا، استحوذت على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم والوقود الحيوي. وبعد، يتنافس مستثمرون من دول مثل الأردن وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على 3.4 مليون هكتار أخرى من الأراضي، والتي هي قيد التفاوض.

الاستثمارات الخليجية

تسارع اندفاع دول الخليج في الاستيلاء على الأراضي الزراعية في السودان في أعقاب أزمة أسعار الغذاء في عام 2008: بدأت العديد من الدول المصدرة في تقليل كمية السلع الغذائية في السوق الخارجية، حيث الأولوية لضمان الأمن الغذائي لسكانها. وعلى الرغم من القوة الشرائية الكبيرة لدول الخليج بسبب تصدير النفط، إلا أنها لا تزال غير قادرة على ضمان الأمن الغذائي لسكانها. فأصبح هذا البلد العربي "هدفا غذائيا" لدول الخليج. وتتميز السودان بما يصل إلى 1970 مليون فدان (الفدان يوازي 4200 كلم2) من الأراضي الصالحة للزراعة، وموقع استراتيجي على بعد أقل من يوم واحد من الإبحار عبر البحر الأحمر إلى ميناء جدة السعودي، وحصة تقارب 200 في المائة من مياه النيل بموجب اتفاقيات إقليمية، والكثير منها غير مستخدم.

كان انخراط دول الخليج في اقتصاد السودان مفصلا في حدث آخر في عام 2011، كان انفصال جنوب السودان بمثابة صدمة للاقتصاد السوداني. فقدت الخرطوم السيطرة على معظم حقولها النفطية. كان على الشمال أن يتكيف مع الوضع الجديد. ونظرًا لضرورة تنويع إيراداته المالية، وافق البشير في عام 2013 على تشريع جديد للاستثمارات (قانون تشجيع الاستثمار الوطني لعام 2013) من أجل جذب الاستثمار الأجنبي بقوة إلى السودان من خلال تقديم إعفاءات ضريبية ملحوظة ودعم بيروقراطي قوي للمستثمرين.

 في عام 2016، استأجرت الحكومة السعودية مليون فدان صالحة للزراعة في شرق البلاد. بعد فترة وجيزة، استأجرت البحرين 1,100 فدان، وهي قطعة أرض تقارب مساحة البحرين نفسها. دخلت GLB Invest وهي شركة زراعية لبنانية في كل شيء في السودان، مع 226000 فدان وطموحات لتجميع ما يصل إلى 1000 محور بطول ربع ميل. وليس ثمة إحصاءات واضحة ودقيقة ولا يوجد شفافية حول النسب والأرقام الحقيقية لحجم الاستيلاء على الأراضي، سواء استئجارها أو شراءها.

السياسة الزراعية الحكومية الفاسدة في السودان

إلى جانب الثروة الزراعية الهائلة، يمتلك السودان ثروات نفطية ومعدنية لا يمكن أن تتجاهلها الدول الاستعمارية، منذ الاستعمار البريطاني الذي ورثه الاستعمار الجديد الأمريكي، وصولًا إلى لعبة تقاسم النفوذ بين الدول ذات القدرة على السيطرة، يتعاقب على السودان أنظمة حكم غير مستقرة يمكن من خلالها تحقيق والحفاظ على النفوذ والمكاسب لهؤلاء. وغالباً ما يكون التنسيق بين المسؤولين المحليين والأجانب ضئيلًا جدًا، بسبب سياسات زراعية فرضتها الأطراف المستثمرة من شركات ودول على الحكومات السودانية.

عقود إيجار الأراضي رخيصة، غالبا أقل من 50 ¢ سنت لكل فدان، وطويلة لمدة 99 عامًا، وتأتي مع القليل من القيود. الماء مجاني. يقول مدير سابق لعملية مصرية متوقفة الآن في ولاية جنوب النيل الأبيض إن شركته منحت حوالي 750 مليون متر مكعب قبل أكثر من عقد بقليل، أي 4 في المائة من إجمالي حصة السودان السنوية في النيل بموجب اتفاقيات إقليمية. ويحسب أن هذا الحجم من المياه سيكلف أكثر من 1 مليار دولار في أماكن أخرى، وتدفع الشركات الزراعية ضرائب قليلة أو معدومة - وهو تنازل أساسي بحسب تحقيق أجرته بلومبيرغ. ونظرًا لصعوبة ممارسة الأعمال التجارية. لم يعد هناك حتى شرط بأن يوظف المستثمرون عمالًا سودانيين، مما أثار غضب المجتمعات المحلية.

 لا يوجد استقرار في السياسة الزراعية، الخبراء يأتون ويذهبون، وحتى الوزير لا يعرف ما هي الميزانية التي يحصل عليها.

ليس ثمة أراضٍ زراعية للسودانيين

في أوائل عام 2005 ومنذ اللحظة التي بدأت فيها شركة أنهار الإماراتية العمل في مزرعتها، كان لدى شيوخ القرى التي تحتوي الأراضي شعور بأنهم يخسرون. لعدة أشهر، راقبوا بقلق مشروع زايد الخير وعندما بدأت البنية التحتية في الارتفاع، سعوا وتلقوا تأكيدات بأنهم لن يفقدوا الوصول إلى أي من أراضيهم. لكن في صباح أحد أيام الربيع المعتدلة، عندما رافقوا جمالهم إلى أرض الرعي المعتادة ووجدوا الطريق مسدودًا بلفائف من الأسلاك الشائكة، عرفوا أن أسوأ مخاوفهم قد تحققت.

في عام 2016، احتج الكثير من الناس عندما بدأت شركة خاصة في تسييج الأرض التي يحميها الجيش في منطقة شندي. ادعت الشركة أنها أبلغت المؤسسات المحلية، لكن لم تشرك السكان السودانيين أبدًا فيما يتعلق بتخصيص الأراضي. في هذه المرحلة كان الصراع حتميًا وأصبح عنيفًا، ففي بعض الحالات شرع الجيش في اعتقال الناس. وفي عام 2018، ليس بعيدا عن الخرطوم، احتل أشخاص السكان السودانيين مخزن إحدى الشركات بعد الحصاد الأول مباشرة وأحرقوا المنتج بأكمله. وألقي القبض على المتظاهرين بينما تعرض آخرون لغرامات باهظة. بعد ذلك، بدأت العديد من الشركات الخاصة في الاستثمار أكثر في الأسوار والحراسة للإشراف على حدود مشروعهم الزراعي.

قد تطلب السلطات الإقليمية من المستثمرين تقديم تعويضات. وغالبا ما تكون هذه في شكل سلع وخدمات: مدرسة، مسجد، عيادة،  ويجري الحديث أن يحصل السودانيون على الوظائف كجزء من التعويض، إلا أن العروضات قليلة ومنخفضة الأجر.

ومنذ عام 2013، تطلب الهيئة الوطنية للاستثمار من المستثمرين من القطاع الخاص تخصيص 25٪ من حيازاتهم من الأراضي للمجتمع المحلي. ومع ذلك، فإن إعادة تخصيص الأراضي لصالح السكان المحليين متقطعة تحت حجة مشاكل تحديد هوية لأفراد "المجتمع المحلي"، ذلك أنهم من البدو الرحل أو شبه الرحل أو تحت حجة التأخيرات البيروقراطية. واليوم، يرزح السودانيون تحت احتلال مقنع لأراضيهم، ولثرواتهم الزراعية، الذين أصلا يعيشون في مجتمعات رعي وزراعة، دون أن يحصلوا منافع من هذه الاستثمارات التي يفترض أن توظف اليد العاملة، وتعود بالميزانيات الوفيرة على السكان المحليين، بل يُحكى أنّ ثمة حروب وصراعات في السودان يتم توريط الشعب السوادني بها، سببها تحقيق النفوذ على هذه الأراضي.


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور