بعد الاجتماع الشهير لأوبك + يوم الأحد في 4 يونيو حزيران 2023، عندما قررت السعودية منفردة خفض إنتاج المنظمة بمقدار مليون برميل يوميًا ابتداءً من شهر يوليو تموز المقبل، شهد يوم الاثنين ما قد يكون أحد أقصر ارتفاعات أسعار النفط، ليعود إلى الانخفاض في اليوم التالي. ذلك أنّ أسعار النفط على ما يبدو، لا تتأثر فقط بكمية الإنتاج والتصدير، بل تتأثر أيضًا بحالة الاقتصاد العالمي من تضخم أو ركود، مثل النمو الصيني الأضعف من المتوقع، واتفاق سقف الديون في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن الحروب مثل حرب أوكرانيا. لكن ما هو السبب الذي جعل الأسعار تنخفض بعد هذا القرار؟
اشتباك أعضاء أوبك بشأن الحصص
قال مندوبو أوبك إن قرارات الإنتاج الكبيرة للمنظمة يتخذها وزير النفط السعودي، وغالبًا دون التشاور مع أعضاء المجموعة الآخرين. فمثلًا، في الوقت الذي تتطلع فيه الرياض لخفض الإنتاج ورفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 80.9 دولارًا لإنقاذ ميزانيتها من العجز، ترغب موسكو في رفع معدل الإنتاج لترميم اقتصادها المنهك بسبب الحرب في أوكرانيا. وجاء اجتماع يوم الأحد وسط توترات عالية بين المملكة العربية السعودية وروسيا، بسبب تخفيضات الإنتاج المتفق عليها سابقًا. إذ تواصل روسيا ضخ كميات ضخمة من النفط الخام الأرخص في السوق، مما يقوض جهود المملكة العربية السعودية لتعزيز أسعار الطاقة، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
عادة ما يتم الاتفاق على خطط الإنتاج مسبقًا بين أعضاء أوبك الذين يصادقون بسرعة على موافقتهم خلال الاجتماعات الرسمية. هذه المرة، كانت التوترات داخل المجموعة حول حصص الإنتاج عالية. وقالوا إن الأعضاء وافقوا في نهاية المطاف على الالتزام بأهداف الإنتاج الخاصة بهم جنبًا إلى جنب مع حلفائهم بقيادة روسيا لكسر الجمود. وقال مندوبون إن القرار السعودي بخفض الإنتاج طواعية ساعد في إتمام الصفقة.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن عبد العزيز استدعى بعض المندوبين الأفارقة يوم السبت إلى جناحه الفندقي في فيينا وأخبرهم أنه سيتم تخفيض حصصهم الإنتاجية داخل المجموعة. وأضاف الناس أنهم خرجوا من الاجتماع دون اتفاق. لكن في محاولة أخيرة، تمكن المندوبون الكويتيون والجزائريون من إقناع أنغولا بتأييد حصة معدلة، وإنقاذ صفقة كانت معلقة بخيط رفيع، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
إمدادات نفطية بديلة بعد ارتفاع الأسعار السعودية
تتطلع ثلاث شركات تكرير على الأقل في آسيا إلى ترشيح كميات أقل من الخام السعودي للشهر المقبل - وفقا لبدل العقد - وتعزيز المشتريات من خارج المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الشحنات الفورية الأرخص من روسيا، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على استراتيجيات الشراء لشركات التكرير لبلومبرج.
أحد المشترين الكبار الذين لا يهتمون بشكل خاص بالخام السعودي الأكثر تكلفة هو الهند. وخفضت ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم مشترياتها من الخام من الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، حيث تشق البراميل الفورية الروسية الأرخص طريقها إلى شركات التكرير الهندية.
وتشير التقديرات إلى أن الهند استوردت كميات قياسية من الخام الروسي في مايو، أي أكثر من وارداتها مجتمعة من أكبر أربعة موردين - العراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
الولايات المتحدة تغرق السوق الأوروبي
الولايات المتحدة هي الآن أكبر مورد للنفط الخام إلى الاتحاد الأوروبي. كانت روسيا حتى وقت قريب أكبر مورد للنفط الخام للكتلة، حيث تمثل ما يصل إلى 31٪ من إجمالي الواردات حتى نهاية يناير 2022، وفقا ليوروستات. وفي الوقت نفسه، جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بفارق كبير، بحصة أقصاها 13٪. لكن بعدما اندلعت الحرب، انخفضت حصة روسيا من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي بشكل حاد، من 31٪ في الربع الأول من عام 2022 إلى ما يقرب من 19٪ بحلول نهاية العام، وفقًا لبيانات يوروستات. وجعل ذلك الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للغاز في التكتل بحصة تقارب 20 في المئة خلف النرويج التي تمثل نحو 31 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز.
عندما سئل منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي عن قرار السعودية بخفض الإنتاج أجاب: "سعر النفط لم يتأثر بشكل كبير بهذا الإعلان عن هذه التخفيضات الإضافية". وأضاف: "سيظل الرئيس (جو بايدن) يركز على ما هو أفضل للشعب الأمريكي، وما هو الأفضل لاقتصادنا، والتأكد من أننا نعتني بهذه الاحتياجات، ونترك السعوديين يتحدثون عن قرارهم بخفض الإنتاج". وكان البيت الأبيض قدّ رد مساء الاجتماع على قرار السعودية بتخفيض إنتاج النفط بقوله إن المسؤولين الأمريكيين يركزون على الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين. وقال المسؤول في البيت الأبيض لـ cnn "كما قلنا، نعتقد أن العرض يجب أن يلبي الطلب وسنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعم أسواق الطاقة للنمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين".
المعركة بين السعودية والولايات المتحدة
رغم قرارات بايدن بحظر التنقيب عن النفط الصخري في القارة الأمريكية، إلا أنّ المناكفات السياسية مع السعودية، بالإضافة إلى حاجة الاقتصاد الأمريكي للانتعاش، كل ذلك جعل الرئيس الأمريكي يغضّ الطرف عن مستويات إنتاج النفط الصخري غير المسبوقة والتي تغرق السوق النفطي. سجلت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات الخام، مثل البنزين ووقود الطائرات، أعلى مستوياتها على الإطلاق في مارس. في مذكرة بحثية بتاريخ 1 يونيو حزيران، أشارت إلى أن صادرات النفط الأمريكية القياسية تساعد في تخفيف الإمدادات العالمية وإبقاء الأسعار تحت السيطرة، أي كما تريد الولايات المتحدة وليس كما تريد السعودية.
الكاتب: غرفة التحرير