نيسان 2002، معركة مخيم جنين التي استمرت 15 يومًا، في أقوى مشاهد التحدي والبطولة التي سطرها مقاومي جنين ضد الاجتياح الإسرائيلي للمخيم آنذاك، والتي قُتل فيها 23 جندي صهيوني حسب اعترافات العدو، واستشهد ما يزيد عن 100 فلسطيني وتم تدمير أجزاء كبيرة من بيوت وشوارع المخيم. ذهب رئيس وزراء العدو شارون ولم يذكره التاريخ الا بسلسلة من الجرائم والقتل، وسقطت حكومات متتالية حتى يومنا هذا لدولة الاحتلال، وبقي مخيم جنين صامد مقاوم شامخ مسطراً أروع آيات العزة والكرامة على أيدي أبنائه المقاومين.
على ما يبدو أن نتنياهو لم يقرأ التاريخ جيداً، أو أنه لم يستفد من تجربة سالفه شارون في المخيمات الفلسطينية بشكل عام ومخيم جنين على وجه الخصوص. فبعد 21 عام المشهد يتكرر مع أبناء نصر جرار ومحمود طوالبة وشادي النوباني و حمزة أبو الهيجا، في عملية عسكرية بدأت صباح يوم الاثنين الموافق 03/07، استخدمت فيها قوات الاحتلال الطائرات المقاتلة والمسيرات والدبابات، وشارك في العملية 1000 جندي و 150 آلية عسكرية ترافقها جرافات مدرعة حسب اعلام العدو، معتمدين في العملية على قتل أكبر عدد ممكن من المقاومين، وإحداث حالة كبيرة من الدمار للبيوت والطرقات والمساجد، بأهداف معلنة للقضاء على المقاومة ومصانع العبوات والمتفجرات والبحث عن أماكن إعداد الصواريخ البدائية، مذكراً بحرب العراق والبحث عن أسلحة الدمار الشامل، ليكتسب الدعم الأمريكي والغربي للعملية، ساعيًا خلف ذلك لـ :
1/ إحداث صدمة للمقاومين من خلال بدء المعركة بقصف لعدد من المقاومين وايقاع عدد من الشهداء.
2/ فصل مخيم جنين عن المخيمات الأخرى، والتهديد باستخدام نفس النموذج مع أي مخيم يشكل قوة ردع للاحتلال.
3/ يحاول العدو الحفاظ على أقل الخسائر وسط جنوده للاستمرار في الدعم من للعملية من الوسط السياسي والعسكري.
4/ محاوله لاستثارة شهوة قيادة السلطة لتسلم زمام الأمور في المخيمات واتخاذ التدابير المطلوبة لمنع أي عمل مقاوم في الضفة الغربية.
5/ يحاول العدو تهجير السكان من بيوتهم للاستفراد بالمقاومين أولاً، ثم معاقبة الأهالي لاحتضانها عناصر المقاومة.
على ما يبدو أن العملية العسكرية الإسرائيلية والتي أطلق عليها العدو اسم "البيت والحديقة" هي عملية متدحرجة حسب مستجدات الميدان، وعلى ما يبدو أن المقاومين لا زالوا على قدر كبير من الوعي والبسالة لمواجهة هذا الاجتياح، لذلك مطلوب من المقاومة في جنين:
1/ الالتزام في توحيد الصفوف والعمل على قلب رجل واحد.
2/ التركيز بقوة على إحداث خسائر بشرية في صفوف جنود الاحتلال ومحاولة استخدام التصوير لبعض العمليات الناجحة والتي من شأنها قلب المعادلة على القيادة العسكرية للاحتلال
3/ عدم تجمع المقاومين في أعداد كبيرة في منطقة واحدة، والالتزام بتبادل الأدوار حتى لا تُرهق المقاومة ويتم استنزاف جنود الاحتلال، والحفاظ على أرواح المقاومين وعدم تسجيل إنجازات للعملية العسكرية.
4/ استخدام تكتيكات جديدة تفاجئ جنود الاحتلال، واستخدام بالإضافة لعمليات التصدي الجماعية، عمليات فردية منها الاستشهادية أو الكمائن وتفعيل دور الشباب الثائر باستخدام أي أداة ضد جنود الاحتلال والتي يتم فيها اتخاذ القرار الفردي اللحظي عند وقوع الفريسة والتي من شأنها تشتيت العد.
5/ مطلوب من المقاومين في جميع أنحاء الضفة الغربية لتصعيد العمليات داخل المستوطنات والقدس والداخل الفلسطيني.
إن محاصرة واقتحام مخيم جنين خط أحمر، يستدعي من الجميع الوقوف عند مسؤولياته من خلال دعم المقاومة بالمال والسلاح والامكانيات العلمية والامنية المطلوبة لتكبيد العدو الخسائر، وتصعيد الحالة الثورية في الضفة وغزة من خلال المظاهرات والمسيرات والاشتباك مع العدو على الحواجز، وتفعيل الدور السياسي والدبلوماسي لإبراز جرائم العدو ضد شعبنا، واستغلال الاعلام المحلي والدولي والمنظمات الدولية لمخاطبة العالم بحقيقة هذه العملية، كما أنه يجب استغلال ذلك لمخاطبة المجتمع الدولي على ضرورة انهاء الاحتلال الصهيوني وحل القضية الفلسطينية، وليفهم العدو أولا ثم المجتمع الدولي أن هذه العملية لن تجلب على دولة الاحتلال الا مزيدا من العمليات الفدائية، فحالة الثأر لدماء الشهداء ودمار البيوت والتهجير القصري ستلاحق جنود الاحتلال على هذه الأرض، وأن عملية مخيم جنين عام 2002 لم تحقق للاحتلال الهدوء ولا الأمن كما العملية الحالية.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع