كان متوقعًا أن تسقط مبادرة المبعوث الفرنسي في لبنان جان إيف لودريان، تمامًا كما وؤدت مبادرة الرئيس نبيه بري في مهدها. يعلن بري أن مبادرته لم تعد موجودة، ويطلب من جبهة من يسمون أنفسهم المعارضة أن يقدموا بديلًا عنها إن كانوا يملكونه.
وبعد السقوط المدوي للأم الحنون، على أيدي "الموارنة"، الابن العاق لباريس، وبموافقة الخُماسية الدولية التي تسيطر الولايات المتحدة على قرارها من خلف الكواليس، حضرت المبادرة القطرية التي تهدف إلى كسر ستاتيكو الشغور الرئاسي من خلال الخيار الثالث. وعلى الرغم من أنّ بعض الأسماء التي جاءت بها المبادرة وُضعت لحرقها، إلا أنها تحمل المرشح الأمريكي قائد الجيش جوزاف عون على بساطٍ أخضر. والأخضر هو الدولار الذي سيتمّ دفعه "للمعارضة" ثمنًا للقبول به، بالإضافة إلى تعويم المصرف المركزي اللبناني واستثمارات متنوعة على رأسها الكهرباء في لبنان. كل ذلك هو ثمن ستدفعه قطر كي تنجح مبادرتها في لبنان، ضمن سلسلة المبادرات التي تقوم بها بنجاح على مستوى الإقليم كله لزيادة نفوذها وتمددها.
لكن ماذا عن السعودية التي استطاعت أن تجمع 21 نائبًا سنيًا من أصل 27؟ هل ستترك الإنجاز للقطري بعد فترة طويلة من الغموض السياسي في معالجة الملف الرئاسي في لبنان؟ وإذا كانت المبادرة القطرية قد حصلت على مباركة الدول الخماسية كما يتمّ التداول، ومن ضمنها السعودية، فلماذا يجتمع المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار بن سليمان العلولا، والسفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري، مع وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان والمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في جدّة؟ ومع توقّع عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قريبًاً في تشرين الأول، يتصرف الجميع مع الزيارة على أنها تمهيد لتسليم الملف إلى قطر. وعليه يبدو أنّ السعودية تحاول أن توحي بدور ما تمهيدًا للموافقة على المبادرة القطرية فيما بعد.
في تفاصيل التحرّك القطري، التقى الموفد القطري برئيس مجلس النواب نبيه بري، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري. مع الإشارة إلى أنّ الأخير هو من الأسماء المدرجة على لائحة المرشحين إلى جانب المرشح الأمريكي قائد الجيش جوزيف عون، والوزير السابق زياد بارود، والنائب نعمه افرام، في جولة استطلاعية مترافقة مع جسّ نبض القوى السياسية بشأن الخيار الثالث تمهيداً لزيارة مرتقبة لوزير الدولة للشؤون الخارجية القطري محمد عبد الرحمن الخليفي. خاصة أنّ الأمريكي كان قد سبق وأبلغ عدم قبوله لمرشح الثنائي الوطني سليمان فرنجية، ومنع وكلاءه عن الجلوس إلى طاولة الحوار.
الحوار بين التيار الوطني وحزب الله قائم بكل الأحوال، يعرف باسيل جيدًا أنه لا بديل له عن الحوار مع الحزب. فليس ثمة جهة او دولة اقليمية او دولية تتحدث معه بجدية، وقد اوضح مسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، لباسيل في مرحلة مبكرة من النقاشات في الملف الرئاسي، بأن الحوار يبدأ ما بعد سليمان فرنجية، في إشارة إلى عدم المراهنة على تخلي الحزب عنه. وبالتالي يدرك الرجل، أنه مهما كان من حال التسويات، فإنه ذاهب للتفاوض معهم على سليمان فرنجية. لكن بالطبع، عين باسيل ستتجه إلى مناصب أساسية في الدولة ووزراء ومحاصصة، بالإضافة إلى مشروع اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الإئتماني...
وعلى خطّ التفاهم بين حزب الله وباسيل، فإنّ الاتفاق إذا ما تمّ، سيكون لبنان جاهزًا لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي سترتفع أسهم المرشح سليمان فرنجية من جديد.
الواقع أنه في ملفّ التسويات والمحاصصة التقليدية في لبنان، فإن الصفقات تتم حول 5 مناصب أساسية في البلاد. وهي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وحاكم مصرف لبنان، قيادة الجيش، وأخيرًا، رئيس مجلس القضاء الأعلى. وإذا كانت مناصب قائد الجيش وحاكمية مصرف لبنان ومجلس القضاء ورئاسة الحكومة هي مناصب يسعى الأمريكي لإبقاء نفوذه عليها، فهل سيتخلى عن منصب رئاسة الجمهورية – الأقل في صلاحيات الحكم- لصالح الطرف الآخر؟
ليست المشكلة في لبنان بشخص الرئيس الذي ستتم تسميته، بقدر ما هي مسألة عدم يقين حول المكان الذي سيعمد الرئيس العتيد إلى نقل لبنان إليه. وعما إذا كان سيتمكّن من إخراج لبنان من مستنقعه الاقتصادي. والسؤال الأهم، هل ستسمح الولايات المتحدة للبنان أن يرتاح اقتصاديًا بغضّ النظر عمّن سيكون الرئيس؟
الكاتب: غرفة التحرير