أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن جملةً من التهديدات متعددة الجهات بما يتناسب مع حجم المعركة التي يخوضها كيان الاحتلال في غزة. اذ أن القلق من توسع حلقة الصراع لتشمل عدداً من الجبهات الأخرى، سيطر على مركز القرار الأميركي- الإسرائيلي. وفيما نفى بايدن أن يكون قد طلب تأجيل العملية البرية، شدد على ضرورة أن يكون الغزو الإسرائيلي أقرب إلى ما حدث في الموصل عام 2016، وليس الفلوجة عام 2004.
تلعب واشنطن دوراً محورياً في الحرب ضد الشعب الفلسطيني. وفي حين حذر بايدن إيران من عواقب الهجمات على "أفراد الخدمة الأمريكية المتمركزين في الشرق الأوسط...إذا استمروا في التحرك ضد تلك القوات سوف نرد"، كان حريصاً على عدم توجيه اتهام مباشر لإيران بانخراطها المباشر بالتخطيط والتنفيذ لعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر.
ويقول مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، أن هناك أدلة متزايدة على أن الولايات المتحدة تلعب دوراً مباشراً في صنع القرار الإسرائيلي. خلال زياراتهما الأخيرة إلى الكيان، التقى كل من بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وقادا مناقشات مع حكومة الحرب الإسرائيلية الطارئة "لم يسمع بها أحد تقريباً في تاريخ إسرائيل". وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، أرسلت واشنطن ضباطاً عسكريين كباراً إلى إسرائيل، رسمياً "لتقديم المشورة" في التخطيط للعمليات العسكرية في غزة، لكن تتزايد الشكوك في أن مهمتهم الحقيقية هي أكثر من ذلك، وسط تقارير تفيد بأن إدارة بايدن لا تعتقد أن إسرائيل لديها "أهداف عسكرية قابلة للتحقيق في غزة" وأن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لغزو بري. وتعكس حاملات الطائرات في المنطقة تقييماً أمريكياً بأن إسرائيل لا تملك الوسائل العسكرية لمواجهة حماس وحزب الله في وقت واحد على حدودها الجنوبية والشمالية، في آن معاً.
إن القوات الأمريكية المنتشرة حول الكيان لن تقاتل حماس نيابة عن إسرائيل، يضيف المركز، أو تأخذ زمام المبادرة في تحرير الرهائن المدنيين في غزة، أو تشرف على المساعدات الإنسانية في القطاع الذي تعرض للقصف. بل تتمثل مهمتهم الرئيسية في ضمان ألا يشن الجيش الإسرائيلي - الذي تعيش قيادته واستعداده العام في حالة من الفوضى ولم تعد قواته البرية قوة قتالية خطيرة - هجوماً برياً على غزة ما لم يكن لديه استراتيجية وأهداف تعتقد واشنطن أنها قابلة للتحقيق.
ولمجموعة متنوعة من الأسباب المحلية والإقليمية والجيوسياسية، لا ترغب واشنطن في قبول فشل إسرائيلي آخر. وعلى الرغم من كل دعمها غير المشروط، فإن إدارة بايدن لن تمنح قادة إسرائيل حرية التصرف لإلحاق المزيد من الفشل الذريع بأنفسهم. والواقع أن التدمير المنهجي لقطاع غزة من الجو خلال الأسبوعين الماضيين لم يثبت أنه بديل لغزو بري كبير.
سرعان ما اخترقت هذه الأزمة الأوهام المريحة لإدارة بايدن، التي طرحها مستشارو البيت الأبيض مثل جيك سوليفان وبريت ماكغورك، حول شرق أوسط "جديد" بناه لهم نتنياهو. كما أن سجلهم في غزة لم يكشف فقط عن جوهر "النظام الدولي القائم على القواعد" الذي يخدم مصالحهم الذاتية، والذي يزعمون أن بقاءه على المحك في أوكرانيا، بل ضمن أيضاً لرفضه على نطاق واسع من قبل الجنوب العالمي الذي يشعر بالغضب من النفاق وازدواجية المعايير.
يعترف المسؤولون الأمريكيون أنهم لا يملكون استراتيجية "لليوم التالي" من الصعب على واشنطن العودة إلى اللعبة بعد أن كانت في الخارج لفترة طويلة. ويذكر موقع بي بي سي الأميركي، أن الصين وروسيا قد لا يقدمان بديلاً عن الدبلوماسية الأميركية، لكنهما ستكونان أكثر من سعيدتين لرؤية الارتباك الأميركي وسوف تلعبان على المعايير الأميركية المزدوجة. بعد يوم واحد، وفي خطاب متلفز، دافع بايدن عن واشنطن باعتبارها "الأمة الأساسية" في العالم. في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، تصرفت إدارته بسلاسة، ونسجت التحالفات القائمة بشكل أكثر إحكاماً وخلقت شراكات جديدة، بمساعدة العداء لروسيا والصين. ولكن في الشرق الأوسط، تكون الولايات المتحدة وحيدة في دفاعها عن إسرائيل، وأكثر عرضة لفقدان الأصدقاء والشركاء بدلاً من كسب أصدقاء جدد.
الكاتب: غرفة التحرير