الإثنين 13 تشرين ثاني , 2023 03:21

أثر الحرب على حظوظ بايدن الرئاسية: غزة تضع بثقلها لتغيير قواعد اللعبة

بايدن

نجا الرئيس الأميركي جو بايدن بأعجوبة من الأفخاخ التي نصبت له في الانتخابات النصفية للكونغرس. كان بايدن حريصاً على الحفاظ على استقرار الأسواق المالية وهدوء الشرق الأوسط للوصول بسلام إلى الاستحقاق الرئاسي. ألمح مسؤولون أميركيون معارضون للإدارة بعد ملحمة 7 أكتوبر، أن الرهان على ركود المياه لم يكن يبعث الاطمئنان بل يدعو إلى الريبة والفشل يتعدى الاستخبارات الإسرائيلية ويصل إلى داخل المكتب البيضاوي. كل ذلك، وضع بايدن في مأزق، ولم يعد يقتصر التخبط بمسألة هندسة المخرج المناسب، بل بترتيب الأولويات لإدراك ذلك، وهي إلى الآن لم تستطع "رعاية" اتفاق على هدنة تقضي بإطلاق عدد من الأسرى.

يقول الدبلوماسي الأميركي، آرون ديفيد ميلر، في مقابلة أجراها معهد ويلسون في حزيران/ يونيو الماضي، أي قبل حوالي 4 أشهر من تنفيذ المقاومة الفلسطينية لعملية "طوفان الأقصى"، أن الأخطاء الأميركية لا تنبع من عدم القدرة على فهم الثقافة السياسية العربية، بل من عدم رغبة الأميركيين أو عدم قدرتهم على أن يكونوا صادقين مع وجهات نظرهم الخاصة للعالم".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة في "موقف رهيب" فيما يتعلق بالشرق الأوسط لأنها وجدت نفسها غير قادرة على حل مشاكل المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، قال إن الاستياء الأميركي في الشرق الأوسط هو في رأيه "صراع مصالح" وليس صدام حضارات. ولوضع مشاكل المنطقة في منظورها الصحيح، اختتم ميلر بالقول إن الأمر استغرق من الأميركيين 150 عاماً لتحقيق بعض الوعود الواردة في إعلان الاستقلال... أعتقد أن الحياة لا يمكن التنبؤ بها وأن الأمور يمكن أن تتغير والوقت هو الحكم الوحيد".

كان الوقت الذي تحدث عنه ميلر قريباً جداً. حتى بات ما يجري في فلسطين المحتلة يوصف على أنه "سيغير وجه المنطقة وينهي المشروع الإسرائيلي الذي كان يخطط له لعقود".

بالنسبة للولايات المتحدة الأمر أكثر تعقيداً. فهو لن يؤثر فقط على شكل نفوذها في المنطقة والذي سيحدده عاملان: ضعف كيان الاحتلال المتزايد والذي سيبدو أكثر وضوحاً مع انتهاء الحرب. والجدل القائم على مدى جدوى إبقاء عدد كبير من الجنود الأميركيين الذين باتوا يصنفوا على أنهم "بنك أهداف"، والذي سيتزايد مع انتهاء الحرب أيضاً والاعتراف بعدد الجنود القتلى -سريّاً داخل أروقة الكونغرس على الأقل-. بل من ناحية أخرى، فإن الحرب الجارية على قطاع غزة، تتعدى كونها جزءاً من السياسة الخارجية للبيت الأبيض. اذ أنها تقع في صلب القضايا الأميركية الداخلية.

غالباً ما يكون تأثير السياسة الخارجية على نتيجة الانتخابات الأميركية محدوداً. لكن هناك عدد من الأمثلة التي لعبت فيه السياسة الخارجية دوراً مفصلياً. حيث استفاد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، مثلاً في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 من التعبئة الوطنية لأحداث 11 أيلول/ سبتمبر. كذلك الأمر بالنسبة لريتشارد نيكسون الذي استغل عدم رضا الشارع الأميركي عن رغبة الديموقراطيين في خوض حرب مفتوحة ضد فيتنام بين 1968 و1972 وهو ما ينسحب أيضاً على رونالد ريغان الذي استفاد من المأزق الذي وقع به سلفه جيمي كارتر في قضية احتجاز الرهائن في إيران، عام 1980.

يواجه بايدن وضعاً مماثلاً لكنه لا يقل سوءاً. حيث سارع لإعلان الدعم السريع لإسرائيل عقب 7 أكتوبر، واصفاً وقف إطلاق النار بـ "غير الأخلاقي". وهو ما قرأته "بورصة" استطلاعات الرأي فوراً. ويشير مركز NPR / Marist في استطلاع أجرته أخيراً أن يسار الحزب الديموقراطي معادٍ علناً لإسرائيل وينتقد علنا سياسات بايدن.

 في عام 2016، وجد استطلاع غالوب السنوي أن الديمقراطيين يتعاطفون مع إسرائيل 53% لكن هذه المرة، ذكرت مؤسسة غالوب أن التوازن قد مال للمرة الأولى: 49% يتعاطفون الآن مع الفلسطينيين، و38% مع إسرائيل.

سيواجه بايدن أيضاً قوة انتخابية متنامية: أصوات العرب والمسلمين. لقد أقصى جو بايدن بيده تقريبا كل ناخب أميركي عربي ومسلم أمريكي في ميشيغان وهي واحدة من خمس ولايات متأرجحة تقدم فيها الرئيس السابق دونالد ترامب على بايدن في استطلاعات الرأي.

وينقسم معارضو بايدن إلى قسمين. النوع الأول من منتخبيه الذين ينتقدون ادارته الضعيفة للحرب وعدم قدرته على إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية. وخصومه الذين يستغلون نقاط الضعف في إدارته ويركزون على الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية على امتداد خارطة المنطقة وخاصة في سوريا والعراق، وقد ينضم إليهم لبنان أيضاً، على الرغم من التهديدات الأميركية بالرد وما رافقها من وصول حاملات الطائرات إلى البحرين الأحمر والأبيض والمتوسط.

ويعتبر معهد ويلسون في هذا الصدد انه "لا عجب في أن الإدارة تضغط من أجل وقف إطلاق النار، وإحياء الحديث عن حل الدولتين، والتظاهر بعدم ملاحظة الميليشيات المسلحة التي تطلق الصواريخ على القواعد الأميركية... يعلم بايدن، أن لا يمكنه الفوز في الانتخابات الأميركية على قضية إسرائيل وحدها، لكن إسرائيل، وفشل السياسة الخارجية بشكل عام، يمكن أن يساعد في الخسارة".


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور