الخميس 16 تشرين ثاني , 2023 03:14

تفاعل روسيا مع طوفان الأقصى من زاوية أوكرانيا

بوتين ونتنياهو

بدأ موقف روسيا من معركة طوفان الأقصى ينتقل من مرحلة مراقبة الأحداث عن بعد إلى مرحلة التفاعل معها لكن بشكل مدروس، فبدا أن ثمة موقفاً روسياً آخذًا في التشكل، انعكس في الإدانة الرسمية من جانب الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرجى لافروف لنمط تناول الغرب للحدث وتطوراته؛ حيث رأت موسكو أن ما يدور في غزة من أحداث إنما يعّبر عن مدى "فشل سياسات واشنطن في الشرق الأوسط"؛ لأنها "احتكرت القرار بشأن التسوية، وأبعدت الأطراف الأخرى". بل اعتبر بوتين أن "جوهر المشكلة هو عدم السماح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته".

سعي موسكو للمشاركة في التسوية

ظهر تفاعل روسيا مع طوفان الأقصى وكأنه يقف عند حدود التصريحات الرسمية الصادرة من الكرملين. وبالرغم من طبيعة التفاعل الروسي الهادئ مع العدوان الإسرائيلي على غزة، إلا أن إسرائيل لم تخف استياءها من موسكو ومن تصريحات بوتين ولافروف، وترى أنها تتعارض مع حالة التنسيق الأمني بينهما في ملفات مهمة كسوريا. أما فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة فقد اتّهم الرئيس الروسي الولايات المتحدة بتأجيج الوضع في الشرق الأوسط بعد إرسال مجموعة من حاملات الطائرات إلى المنطقة. ووفقا لبوتين، "فبدلًا من المناورات العسكرية، علينا البحث عن حلول وسط". كما لا يُخفي الإعلام الروسي أن التعزيزات العسكرية الأميركيّة تشكّل تهديدًا للقواعد والمصالح الروسية التي تتجه إلى دعم لعب دور جاد ومباشر في الوساطة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، من منطلق ما تتمتع به من علاقات متوازنة مع الطرفين، الأمر الذي يوفر لها موطئ قدم في أي عملية تسوية بشأن القضية الفلسطينية.

يربط البعض هذا الاحتمال بمحاولات روسيا تقديم نفسها على أنها "وسيط نزيه"، لكن في الوقت نفسه ثمة قيود متعددة على هذا الدور أبرزها رفض إسرائيل خروج ملف الصراع من دائرة الحماية الأمريكية الأوروبية، فضلاً عن تشكيكها بشأن الموقف الروسي من حربها الحالية على غزة؛ حيث ترى في تصريحات بوتين الأخيرة دعماً لحماس. هذا إلى جانب الرؤية الأمريكية الأوروبية الرافضة لدور روسي في معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة.

روسيا تنظر لطوفان الأقصى من زاوية أوكرانيا

المعطيات السابقة ترسم خطاً لنمط تفاعل روسيا مع حرب غزة الحالية يعكس احتمالية اتجاه موسكو لتوظيف الأحداث فى غزة توظيفاً يخدم أهدافها سواء فى المنطقة، أو فى علاقتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سياق الحرب الأوكرانية ومنها:

- تركيز الدبلوماسية الروسية على إحراج الولايات المتحدة والقوى الأوروبية من خلال الترويج الإعلامي الروسي لسياسة ازدواجية المعايير، من منطلق ازدواجية الموقف الإسرائيلى والأمريكي والأوروبي في التعامل مع أزمتي غزة وأوكرانيا حيث تلعب واشنطن وحلفاؤها الدور الأبرز بدعم إسرائيل في حربها اللاإنسانية على غزة بالمقابل ترفع شعار الإنسانية في حرب أوكرانيا. وعلى الجانب الآخر تنتقد موسكو الموقف الإسرائيلى من أزمة أوكرانيا من زاوية المساعدات العسكرية المقدمة لكييف، والمجازر بحق الفلسطينيين في غزة.

- في حالة استمرار أو ارتفاع مستوى الدعم الأمريكى-الأوروبى لإسرائيل عسكرياً ومادياً، فإن هذا سيؤدى بالضرورة، ومن وجهة النظر الروسية، إلى تقليص حجم المساعدات الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا؛ مما يصب في مصلحة التقدم العسكري الروسي في أوكرانيا، واستغلالاً لحالة الانشغال الإعلامي الغربي بالحرب على غزة.

يبدو أن روسيا تمثل الأزمة الحالية بالنسبة لها فرصة مواتية لخدمة تحركاتها الدولية بشأن محاولتها إعادة صياغة النظام الدولي من باب كسر احتكار الولايات المتحدة لحصرية صناعة القرار العالمي، واستثمارًا في حربها على أوكرانيا. ولكن الخطوات الروسية المأمولة بشأن دور أكثر فعالية داخل الملف الفلسطيني في ظل تطوراته الحالية، لن يكون ممكناً إذا كان منفرداً، ومن الأفضل أن يتزامن هذا الدور مع دور فاعل للصين. من أجل موازنة القوة الأمريكية - الأوروبية بقوة روسية - صينية في حلبة صراع القوى العظمى.


الكاتب: حسين شكرون




روزنامة المحور