الإثنين 29 كانون الثاني , 2024 04:20

التكاذب الإسرائيلي الأميركي حول مراحل الحرب على غزة

جو بايدن وبنيامين نتنياهو

منذ الرابع من هذا الشهر، أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني دخول الحرب على غزة في مرحلة جديدة، وجاء ذلك بعد يومين من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، في ضاحية بيروت الجنوبية. وتبين بعد ذلك أن اسرائيل تحث الخطى نحو اغتيالات مبيتة في خارج فلسطين وجلها في سوريا ولبنان. بينما يتولى الأميركي توجيه الضربات المباشرة رداً على عمليات اليمن والمقاومة العراقية في كل من اليمن والعراق. توزيع أدوار واضح ما بين الصهاينة والأميركيين يعكس مدى وقوف واشنطن وراء ما يحدث في غزة من مجازر وقتل وتدمير.

بعد اغتيال الشهيد العاروري بيومين، توجّه طوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إلى فلسطين المحتلة ليطلع من نتنياهو على تفاصيل المرحلة، والتي تبين أنها لن تكون مبنية على محاولات احتواء نتائج طوفان الأقصى، بل على العكس ستدفع نحو تأزيم الأمور أكثر فأكثر. اذ اعتدنا خلال الحروب السابقة التي كانت تجري بين الجيش الاسرائيلي والمقاومة في داخل فلسطين، أنها تأتي رداً على اغتيالات يقوم بها الصهاينة لقادة في المقاومة في غزة أو في الضفة الغربية، أو كما حدث مع سكان حي الشيخ جراح، والتي انتهت بعملية سيف القدس منذ عامين تقريباً، وكما حدث في عملية "ثأر الأحرار" في أيلول/ سبتمبر 2023، بعد اغتيال ثلاثة من قادة الجهاد الإسلامي.

ولكن لتشرين الأول/ اكتوبر نكهة مميزة في حروب العرب مع الصهاينة، وللمرة الثانية يبدأ العرب معركتهم مع الكيان ويجرونه إليها جراً، ولكنها المرة الأولى التي يبدأها العرب، في فلسطين ومن فلسطين وعلى أرض فلسطين، ولهذا حسابات خاصة لدى الصهاينة ومن ورائهم في أميركا والحكومات الغربية.

ما استجد منذ 25 الشهر الماضي 2023، ومنذ اغتيال الشهيد رضى الموسوي، المستشار العسكري الإيراني في سوريا، بدأت معه مرحلة الإغتيالات في خارج الأرض المحتلة. اذ كان الصهاينة يتوقعون أنه خلال الهجوم على غزة، وإضافة لعمليات القتل والمجازر الممنهجة، سيكونون قادرين على اغتيال قيادات طوفان الأقصى في داخل أرض المعركة، أو أنهم سيكونون قادرين على تحرير أسراهم لدى المقاومة الفلسطينية، لكن هذا كان عصياً على التحقق، مما أثار حفيظة قيادات الإحتلال ودفعهم إلى الذهاب إلى المرحلة الثالثة، التي أعلنها نتنياهو. ولكن هذه المراحل لا تتعلق بأي إنجازات على أرض المعركة، وإنما هي إنجازات تتعلق بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية. ففي المرحلة الأولى، أريد منها إفراغ سكان غزة حول المستعمرات الصهيونية في غلاف غزة، وفي المرحلة الثانية بدأت عمليات دفع الفلسطينيين للهجرة جنوباً، تمهيداً لإخراجهم إلى مصر عبر معبر رفح، وهذا ما لم يسمح به المصريون، مبدئياً.

وبذا فالمرحلة الثالثة تهدف إلى استهداف المدنيين الفلسطينيين بشراسة أكبر وإنهاء مقومات الحياة من ماء وغذاء ودواء، ولذلك شهدنا القصف العنيف للمستشفيات والمراكز التعليمية وبخاصة الجامعات، والقضاء على كل ما له علاقة بتاريخ الفلسطينيين في غزة. وما صرّحت به قيادات الإحتلال حول تفخيخ المباني في غزة بأنه يعتبر أمراً ضرورياً، ولو كلّف ذلك المزيد من قتلى جنود الاحتلال بسبب تواجدهم على الأرض، والمطلوب بذلك حرمان الفلسطينيين من المأوى. وبالتالي دفعهم أكثر باتجاه الجنوب والعودة إلى حديث إجبار المصريين على فتح المعابر لتدفق المهجرين وليس الغذاء والوقود والدواء، والتهديد باجتياح معبر فيلادلفيا.

إن ما يفكر به الصهيوني اليوم هو تفريغ غزة اولاً، حتى لو كان ذلك على حساب معاهدة السلام مع مصر، فبالنسبة للصهاينة فقد لعبت معاهدة السلام دورها في خدمتهم حتى اليوم، وإذا احتاج الأمر يمكن إعادة مصر إلى الصف الصهيوني عبر المغريات الاقتصادية، وكل في حينه. وجنود مصر العربية، لن يكونوا مرة أخرى سوى كبش محرقة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما كانوا كبش محرقة في عهد أنور السادات، عندما أوقف القتال على الجبهة المصرية في حرب تشرين 1973، ليذهب إلى مفاوضات كامب ديفيد، وسيصبح حينها بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير بمنزلة غولدا مائير وموشي ديان بالنسبة للصهاينة، وهذا ما يريد نتنياهو تحقيقه وإن كان فيه نهاية حياته السياسية. فالمراحل التي عمل عليها الصهيوني، هي مراحل تصعيدية في استهداف المدنيين ليحقق من خلالها نكبة ثانية، ولذلك فقد ذهب اليوم باتجاه خان يونس.

أضف إلى ما سبق، منذ عهد هاري ترومان والذي كان ديمقراطياً، وساهم في الإعتراف بدولة "اسرائيل" في العام 1948، وبذل جهوداً دولية كبرى في الأمم المتحدة للإعتراف بها، لم يكن الديمقراطيون يوماً إلا من أشرس داعمي الكيان. كان ترومان صديقاً لحاييم وايزمان، رئيس الوكالة الصهيونية ومنظمة الصهيونية العالمية حتى العام 1946 والذي أصبح الرئيس الأول لدولة الكيان، والذي أحال رسمياً الملف الصهيوني من يد بريطانيا إلى يد الأميركيين. وهو من دفع بترومان خلال إحدى خطابته أو اعترافاته ليقول بأن لليهود الصهاينة الحق بفعل أي شيء يشبه ما يفعلونه اليوم في غزة والضفة الغربية إذا ما أرادوا العيش بأمان. وبايدن ديمقراطي يسير على خطى سلفه التي لا يستطيع مخالفتها وإلا فسيفقد حلفاءه من اللوبي الصهيوني. والمرحلة الثالثة التي تحدث عنها نتنياهو لا تنفصل عن حاجة بايدن لدفعة إلى الأمام للوصول للرئاسة مرة ثانية، وليس هناك أفضل من الحرب حتى يُعاد انتخاب الرؤساء في أميركا لدورة ثانية.

وأما الحديث عن الحلف البحري فمرتبط بشكل مباشر بالمرحلة الثالثة، وخاصة بعد إعلان بايدن الحرب على أنصار الله، واليمن. وهو يقع في إطار التكاذب أولاً لأن الحرب على اليمن هو دعم لنتنياهو في المرحلة الثالثة، بينما هي ما يحتاجه بايدن والإدارة الأميركية الحالية من أجل النجاح في الانتخابات. وتلتقي بالتأكيد أهداف الصهاينة مع أهداف الأميركيين. وثانياً، في سياسة الإغتيالات للمستشارين الإيرانيين في سوريا محاولة لتوريط إيران بشكل مباشر في الحرب البحرية. خاصة وأن الجيش الإسرائيلي عاجز عن إحراز أي من الأهداف التي وضعتها قيادته، فلا تحرير للأسرى من خلال العمليات، ولا القضاء على حماس سيتحقق، ولا التوغلات في خان يونس ستكون نتائجها بالنسبة للقضاء على المقاومة بأفضل من اجتياح شمال غزة أو وسطها أو جنوبها.

المرحلة الثالثة تتعلق أولاً بترحيل الفلسطينيين من غزة، وإخلائها من سكانها وفرض فتح معبر رفح وإحقاق السيطرة على معبر فيلادلفيا من أجل فتحه باتجاه واحد، وبعدها سيأتي دور المرحلة الرابعة في الضفة الغربية تحديداً من أجل إجلاء الفلسطينيين منها، وما نشهده من اقتحامات تجري بعيداً عن أعين العالم المشغول بأخبار المجازر في غزة، وتسليح غير مسبوق للمستوطنين إنما يهدف إلى الدفع نحو نكبة جديدة في القرن الحادي والعشرين.

بالتأكيد واقع فلسطين والعالم في هذه المرحلة التاريخية يختلف كثيراً عن واقع فلسطين في العام 1948، ولكن الواقع العربي المتلهي بقطرة الشهد فوق وحل يدي المستعربين والمتغمسة بالدم فيما تُسبى فلسطين، كما عبّر عنه سميح القاسم، لم يتغير، والصهاينة الذين يتوعدون مصر باقتحام فيلادلفيا من أجل تهجير الفلسطينيين ومنع دخول أية مساعدات عبره، هو ما يعني الصهاينة والأميركيين، مرحلياً. وهنا يتجلى الكذب الأميركي حول إعطاء مهل للصهاينة لتحقيق أهدافهم، إنها معركة مفتوحة ولا يبدو أن أفقها لن يحسم لصالح فلسطين إلا بإنهاء الوجود الأميركي في منطقتنا العربية، وإنهاء الوجود الصهيوني حينئذ سيكون تحصيل حاصل.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور