نجحت طوفان الأقصى نسبياً في كبح مسار التطبيع الذي سعت إليه الدول الخليجية، وعلى رأسهم السعودية كدولة فاعلة في هذا المسار بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وعلى وقع التطورات السياسية في المنطقة أعيد تفعيل مسار التطبيع، كرهان سعودي لاكتساب دور إقليمي، يمهّد لبناء نفوذ استراتيجي وشراكات اقتصادية تحت العباءة الأميركية وبالتنسيق مع كيان الاحتلال.
في هذا الصدد، تحاول السعودية إدخال ملف التطبيع بأي تسوية في المنطقة، على أن تكون شريكة في مسار "اليوم التالي" للحرب، من خلال ربط التطبيع مع الكيان بطرح "حل الدولتين" ووقف إطلاق النار، الذي يعد استثماراً سعودياً خالصاً للمملكة، عجزت عنه باقي الأطراف ما يدعم هذا الخيار تفضيل الولايات المتحدة للطرف السعودي على غيره من الأطراف العربية، لكن تبقى المنافسة مع قطر التي تشكّل تهديداً لبنيتها السياسية عائق أمام ذلك. تتمحور مطالب السعودية في إنجاز مشروع التطبيع حول الأمن والحماية، تتلخّص بمنح السعودية التكنولوجيا النوويّة - ضمانات حماية أمنية أميركية - رفع القيود على مبيعات الأسلحة للمملكة.
المكاسب الإسرائيلية
من الجهة الأخرى، سيمنح هذا التطبيع مكاسب اقتصادية كبيرة للكيان، الذي أمسى بحاجة إلى أي مكاسب اقتصادية، لترميم الأوضاع الاقتصادية الداخلية نتيجة حرب غزة، ناهيك عن الحصار البحري اليمني وما شكّله من خسائر اقتصادية هائلة على إسرائيل، في هذا الصدد، يشير البروفيسور إلياكيم بن حاكون من كلية الهندسة الصناعية والإدارة في المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا إلى أن حوالي 99% من البضائع تصل إلى إسرائيل عن طريق البحر. إلا أنه بالتوازي مع الحصار جرى تفعيل الخط البري الذي يوصل ميناء دبي بميناء حيفا ويمر عبر السعودية والأردن، كممر "تنفّس صناعي" للكيان، تعويضاً من الدول العربية المطبّعة والسائرة في هذا المسار عن الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالكيان. بالإضافة إلى كل ذلك، سيوفّر التطبيع للكيان نافذة سياسية وأمنية، يرمم بها صورته أمام العالم، بعد وصمه بالإبادة الجماعية في المحكمة الدولية، واستياء وغضب الرأي العام العالمي.
التهجير القسري للفلسطينيين
يشكل التطبيع عاملاً محفّزاً ودافعاً لمشروع التهجير القسري والطوعي للفلسطينيين، وإضفاء المشروعية عليه، وقد أشار السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى خطورة هذا المسار الممنهج، الذي يقضي بتهجير السكان من قطاع غزة إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن، ومن أراضي 48 إلى لبنان. يعد هذا المشروع الحل الذي يسعى إليه الكيان لإنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل. في حين تسوّق المملكة للعالم الإسلامي أن للتطبيع قيمة على المستوى الفلسطيني، في الوقت الذي سيكون ثمنه فلسطين. بالإضافة إلى امتداد تأثير ذلك على دول المنطقة تاركاً تداعيات خطيرة وغير مسبوقة.
يشير التطبيع إلى جريمة أخلاقية، قد تمتد إلى دول أخرى ستسير إلى جانب السعودية في مسارها وستصبح من خلالها "إسرائيل" كيان طبيعي في المنطقة، في هذا السياق، من واجب الشعوب العربية والأصوات الخليجية المناصرة للقضية الفلسطينية الضغط على حكّامها الذين لا تشكّل القضية الفلسطينية أي وزن في حساباتهم السياسية، وخصوصاً ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، ينطلق هذا الضغط عبر تفعيل الجماعات المناهضة للتطبيع، وإطلاق حملات وتظاهرات شعبية، وغيرها من الوسائل السياسية لوقف هذا المسار الذي يترك تبعات خطيرة على هذه الشعوب بالدرجة الأولى.
الكاتب: غرفة التحرير