الجمعة 05 نيسان , 2024 01:21

الإدارة الأميركية..بين التورّط في الإبادة الجماعية والتضليل السياسي

القانون الأميركي والدعم الأميركي لإسرائيل

هل يمكن أن يجد المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أنفسهم عرضة للمحاكمة الجنائية بسبب الدعم المُطلق الذي يقدمونه للكيان الإسرائيلي؟ يجادل بريان فينوكين، وهو مستشار قانوني سابق بوزارة الخارجية في عهد إدارتي أوباما وترامب، أن المساعدات العسكرية والاستخباراتية التي تقدمها واشنطن لتل أبيب في حربها غير الإنسانية على غزة تضع الولايات المتحدة تحت طائلة العديد من القوانين المحلية والدولية، ويمكن أن تجعل القادة الأميركيين شركاء في المسؤولية عن أي جرائم حرب يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حملته ضد الفلسطينيين في القطاع المُحاصر.

تُعَدُّ الولايات المتحدة حالياً أكبر داعم للجيش الإسرائيلي بتقديمها مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات كل عام. وبسبب هذا الدعم وتبادل المعلومات الاستخباراتية المستمر بين الطرفين، فإن الحملة الدموية التي يشنها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة تؤجج قضايا قانونية وسياسية خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة. وباعتبار أن هذه الأخيرة لديها قوانين ومعايير داخلية تمنع استخدام مساعداتها بطرق تنتهك قوانين الحرب، فإن استخدام إسرائيل للمساعدات العسكرية والاستخباراتية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة سيُشكِّل انتهاكا للقوانين والمعايير الأميركية وقد يُعرِّض المسؤولين الأميركيين للمسؤولية المشتركة عن تلك الانتهاكات.

التمادي في الانتهاكات الجسيمة يورّط الولايات المتحدة

من المفترض أن تخضع الحرب في قطاع غزة حالياً لقانون الحرب، وتعمل هذه القواعد -التي اتفقت عليها الدول- على إيجاد توازن بين "الاعتبارات العسكرية الضرورية" والاعتبارات الإنسانية، وتضع حدوداً لما يمكن لأطراف النزاع المسلح أن تفعله وما لا يمكنها فعله. ويتطلب قانون الحرب أن تكون الهجمات موجهة فقط ضد الأهداف العسكرية (بما في ذلك مقاتلو العدو)، ويحظر استهداف المدنيين والمواقع المدنية، ويجرِّم الهجمات التي لا تسقط على أهداف عسكرية محددة. كما ينص القانون على أن جميع المستشفيات وسيارات الإسعاف والمدارس وأماكن العبادة تتمتع عادة بحماية من الهجمات.

إن سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة والخطاب المصاحب له من المسؤولين الإسرائيليين كان من المفترض أن يُثير مخاوف قانونية وسياسية في واشنطن، لأنه في الأيام الستة الأولى فقط من الحملة الجوية على غزة، ألقى جيش الاحتلال نحو 6000 قنبلة على القطاع. وفي الوقت ذاته، تُثير هذه السرعة في الهجمات تساؤلات وشكوكاً حول طريقة الكيان في اختياره للأهداف وتفسيره لمبدأ التناسب، وما يتخذه من احتياطات لتجنب وقوع ضحايا مدنيين.

المسؤولون الأمريكيون بين المراوغة والتضليل السياسي

لم يعد كافياً أن يكرر المسؤولون الأميركيون نقاط الحديث حول أهمية الامتثال لقوانين الحرب فقط دون اتخاذ أي رد فعل حقيقي. لأنه وفقاً لقانون الحرب، يتعين على الولايات المتحدة حالياً أن تراقب سلوك الكيان الإسرائيلي في غزة وتحديد ما إذا كانت تستخدم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الأميركية. ورغم أن هذه تُعَدُّ خطوة أساسية، فمن الواضح أن وزارة الخارجية لا تعير اهتماما لهذه المسألة بتاتا. فقد أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن والمتحدث باسمه عن عدم إجراء تقييمات إلى الآن حول مدى "امتثال إسرائيل لقانون الحرب".

وعلى النهج ذاته، رفض مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مراراً وتكراراً التعليق على امتثال الكيان الإسرائيلي لقانون الحرب في الأيام الأخيرة، مشيراً إلى أن مهامه لا تتمحور حول الحصول على معلومات عن هذه المسألة. وعلى الأغلب ستتطلب مراقبة مدى امتثال الكيان لقانون الحرب جهودا كبيرة من البنتاغون، كما ستُجبِر الولايات المتحدة على الضغط عليه من أجل الحصول على معلومات تفصيلية حول قراراته المتعلِّقة بالاستهدافات في غزة.

في النهاية، يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي تلتزم بتقديم تفسير صارم للقانون. ومع ذلك، لا ينبغي للقضايا القانونية أن تأخذ الحيز الأكبر للنقاش وتبعدنا عن السؤال الأكثر إلحاحا الذي تواجهه الولايات المتحدة والمنطقة حالياً، وهو: "كيف يمكن إنهاء هذه الحرب بطريقة مسؤولة؟". لعل الخطوة الأولى في اتجاه وقف التصعيد هو التوصل إلى اتفاق صغير يُلزِم الكيان الإسرائيلي بالتوقف عن قصف غزة، ويسمح لحماس بإطلاق سراح بعض الرهائن. وبغض النظر عما إذا كانت النتائج إيجابية أو سلبية، فإن حل هذه الأزمة الرهيبة والمعاناة التي تسببتْ فيها لن يكون في يد القوانين فحسب، بل يكمن أيضا في المهارات الدبلوماسية والتفاوض السياسي.





روزنامة المحور