بعد السابع من أكتوبر اختلفت آراء الخبراء في مراكز الدراسات الأجنبية والإسرائيلية حول مسألة حل الدولتين، فبعض الخبراء رأى أن إزاحة حماس عن السلطة في غزة قبل التمكن من معالجة حل الدولتين يعتبر أمرًا ذات أهمية عالية على الرغم من أنها لن تكون مهمة بسيطة، "خاصة في ضوء تجذر حماس في المجتمع الغزاوي وبنيته التحتية على الصعيد الاجتماعي والعسكري".
وقد أوصت مجلة Foreign Affairs في بداية الحرب الكيان المؤقت بإعادة تشغيل نهجه بالكامل في التعامل مع السكان الفلسطينيين المدنيين، بما في ذلك في غزة، بمجرد إزاحة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني عن السلطة، وإنشاء فكرة أفضل من فكرة حماس التي تتمحور حول ضرورة إبعاد اليهود نهائياً عن الشرق الأوسط من خلال العنف. فكرة أكثر جاذبية ـ فكرة لا تفترض أن اليهود والعرب محصورون في لعبة محصلتها صفر في الشرق الأوسط، ولكنها تقدم سيناريو مربح للطرفين، كل ذلك بالموازاة مع توفير أفق للفلسطينيين – وهو جدول زمني ملموس لإنشاء دولة خاصة بهم يمكنهم من خلالها ممارسة تطلعاتهم الوطنية، وممارسة تقرير المصير، والعيش دون احتلال – حيث يبعث ذلك رسالة إيجابية ليس للفلسطينيين فحسب، بل أيضًا إلى المجتمع الدولي وجيران كيان الاحتلال العرب؛ بالإضافة إلى تصميم عملية تتولى فيها قوة دولية بالتنسيق بين الكيان المؤقت والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة – بالتعاون مع الدول العربية المجاورة مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية – المسؤولية عن الفترة الانتقالية، استعادة النظام العام وإصلاح البنية التحتية، حيث من الممكن أن يؤدي هذا التحول إلى إطلاق المفاوضات حول حل الدولتين على غرار مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تخضع للتعديلات.
وفي ظل عوامل الإحباط لطرح حل الدولتين، وما تحظى به هذه المسألة من دعم عربي، وإقليمي، ودولي، يمكن استخلاص التصورات التالية:
دولة واحدة: وتتمثل في عدم التوصل إلى اتفاق مشترك بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن حل الدولتين، مما يدفعهما إلى استكشاف خيارات سياسية وأمنية جديدة تتخطى حلاً ثنائي الطابع. حيث يؤيد بعض القادة الفلسطينيين هذا الخيار.
الصراع القائم: يتمثل في استمرار الوضع السياسي الحالي للفلسطينيين والإسرائيليين، دون تحقيق أي تغيير جذري، مما يؤدي إلى استمرار الصراع بين الطرفين بدون حلول جذرية.
انتهاء الصراع: يعتمد على نجاح إسرائيل في تهجير سكان قطاع غزة والضفة الغربية، مما يؤدي إلى فرض سيطرتها على كامل أراضي فلسطين التاريخية، وقد اقترحها نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة قبل هجوم السابع من أكتوبر بفترة قصير.
لقد أجبرت حرب طوفان الأقصى الولايات المتحدة على الاندفاع نحو حل الدولتين أكثر من أي وقت مضى وذلك بسبب:
ضغوط الجماهير والرأي العام الدولي: تعرضت الولايات المتحدة للضغوط الكبيرة من الجماهير الدولية ومنظمات المجتمع المدني للقيام بتحركات تجاه حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بما في ذلك دعم حل الدولتين كوسيلة لتحقيق السلام.
تحسين العلاقات الأمريكية مع الدول العربية والإسلامية: يُعتبر حل الدولتين موقفًا مقبولًا على نطاق واسع في العالم العربي والإسلامي، وقد رأت الولايات المتحدة أن دعم هذا الحل يمكن أن يعزز علاقاتها مع هذه الدول ويساعد في خلق جو من التعاون الإقليمي.
المصالح الاستراتيجية والأمنية: يمكن أن يكون حل الدولتين أحد العناصر الرئيسية في استراتيجية الولايات المتحدة لضمان الاستقرار في المنطقة من أجل التفرغ للتهديد الصيني المتصاعد ودمج المنطقة في استراتيجية تطويق واحتواء بكين.
ضغوط دولية ودعم دولي: الدعم الدولي الواسع النطاق لحل الدولتين، بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى، وقد تأثرت الولايات المتحدة بالضغوط الدولية في هذا الصدد.
في هذا السياق، أصبحت مسألة حل الدولتين أكثر تعقيداً، حيث أدت الأحداث العنيفة إلى زيادة الجدل والانقسام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعزيز المواقف القومية والصراعات الدينية. وبالتالي، تبدو فكرة تحقيق حل الدولتين أكثر تحديًا خلال هذه الفترة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاضطرابات والتصعيد العسكري خلال حرب طوفان الأقصى أثّرت بشكل كبير على البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل من الجانبين، مما جعل الأولوية تنصب على إدارة الأزمة واستعادة الاستقرار بدلاً من التفكير في حلول طويلة الأمد مثل حل الدولتين.
بشكل عام، يمكن القول إن حرب طوفان الأقصى أضافت تعقيدات جديدة لمسألة حل الدولتين، وزادت من التحديات التي تواجهها هذه الفكرة في الوقت المعاصر.
الكاتب: سارة حرب