لم يكن مفاجئاً سلوك حكام الأردن الأخير، من خلال مشاركة قواتهم الأساسية، في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية خلال عملية "الوعد الصادق" الأخيرة، وإسقاطها قبل وصلها الى الكيان المؤقت. فهؤلاء الحكّام منذ منتصف القرن الماضي، رهنوا بقاء حكمهم بوجود كيان الاحتلال هذا، وبتنفيذ كل ما تطلبه منهم قوى الاستكبار العالمية الأمريكية وقبلها البريطانية.
وقد كشف الكاتب الإسرائيلي والخبير بالشؤون الأمنية "يوسي ميلمان" ــ في مقال له نشرته صحيفة هآرتس – أن معظم اعتراضات سلاح الجو الإسرائيلي خلال عملية الوعد الصادق، كانت في المجال الجوي للأردن، الذي أعلن بأنه يعمل ضد الأجسام الإيرانية التي تطير في سمائه في طريقها إلى إسرائيل. وأضاف ميلمان بأن التعاون الاستراتيجي والاستخباري بين اسرائيل والأردن مستمر منذ ستة عقود، وهو عميق ومثير للاعجاب.
وفي سياق متصل كشف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا إيلاند لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن وجود نظام قيادة وسيطرة معقد قد تم إنشاؤه بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدول العربية المجاورة – أي من ضمنهم الأردن - منذ أكثر من 4 سنوات، وأن هذا النظام كان فعالاً في اكتشاف التهديدات والتعامل معها.
وعليه شارك "نشامى السلطة الأردنية"، بشكل رئيسي وبعدة مجالات عسكرية، سواء عبر الطائرات أم عبر منظومة القيادة والسيطرة الإقليمية الأمريكية، وعبر السماح لإسرائيل ولأمريكا باستباحة الأجواء الأردنية، في الدفاع عن كيان الاحتلال أمام الهجوم الإيراني. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يضعون فيها بلادهم – أي حكام الأردن – كدفاع أمامي للكيان، فقد سبق لهم وأن أسقطوا خلال الأشهر الماضية، العديد من الطائرات المسيرة، التي قامت جبهات إسناد محور المقاومة بإطلاقها في إطار معركة طوفان الأقصى، ضد أهداف إسرائيلية في فلسطين المحتلة.
ومن جهة أخرى، يعدّ نظام عبد الله الثاني العائق الأساسي الأكبر، أمام وصول أي قدرات وأسلحة نوعية، للمقاومة الفلسطينية في منطقة الضفة الغربية. فقد جرى خلال الأشهر الأخيرة، إحباط العديد من محاولات تهريب الأسلحة لمقاومي الضفة القادمة من سوريا. وهنا لا بد الإشارة إلى المفارقة التالية، بأن نظام عبد الله الثاني كان من أكثر الجهات التي سهّلت وصول السلاح والمال والمقاتلين الإرهابيين إلى سوريا، خلال الحرب الكونية عليها منذ العام 2011.
الملك حسين "المصعد – Lift" خلال حرب أكتوبر 1973
لكن إذا ما راجعنا تاريخ الملك السابق للأردن حسين، فإننا سنجد بأنه منذ ما قبل حرب أكتوبر / تشرين الأول للعام 1973 (وربما أقدم من ذلك التاريخ بكثير)، كان قد ركب في قاطرة الحكام التابعين لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وعليه لا تعود مستغربةً تصرفات نجله.
وفي العام الماضي (قبل شره تقريباً من عملية طوفان الأقصى)، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تفاصيل وثائق تنشر لأول مرة تتعلق بحرب أكتوبر 1973، عن اللقاء الذي جمع رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها غولدا مائير، والملك الأردني حينها حسين (الذي يلقبه جهاز الموساد في وثائقه كونه عميل لديه ومنعاً لكشف هويته بكلمة "ليفت – أي المصعد أو الرافعة").
وفي تفاصيل اللقاء التي كشفت عنه الوثائق حينها، فقد جرى في الـ25 من أيلول / سبتمبر من العام 1973، أي قبل أيام من اندلاع الحرب، وعقد اللقاء في منشأة للموساد خارج تل أبيب. وجرى اللقاء بطلب من الملك حسين "الذي أراد أن يكشف لإسرائيل معلومات استخباراتية حول نوايا سوريا لشن حرب لاستعادة مرتفعات الجولان" التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967. وأضافت وثيقة اللقاء التي أعدها رئيس مكتب رئيسة الوزراء حينها إيلي مزراحي، بأن "ليفت – الملك حسين" أخبرهم بأنه تم إبلاغه من مصدر فائق الحساسية (أي كان الملك الأردني يتجسس على سوريا أيضاً)، بأن جميع الاستعدادات بخصوص العملية السورية قد اكتملت، وأن جميع الوحدات كانت في مواقعها بالفعل لمدة يومين بما في ذلك القوات الجوية والصواريخ. وسألت مائير حينها الملك حسين ما إذا "كان من المحتمل أن يهاجم السوريون حتى من دون تعاون كامل مع المصريين؟ فأجابها الملك حسين بأنه لا يعتقد ذلك بل "سيتعاونون حتما"". وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن تحذير الملك الأردني حينها كان هو التحذير الثالث خلال ثلاثة أشهر الذي وجهه الأردنيون لإسرائيل قبل الحرب، ومع ذلك
فقد فشلت أيضا في إقناع الحكومة بالاستعداد".
الى متى سيبقى حال الأردن على ما هو عليه؟
لذلك، وأمام الدور الملكي الأردني خلال العقود السابقة، في دعم كيان الاحتلال وتنفيذ كل المشاريع الأمريكية، فإن على الشعب الأردني وحده، فرصة تاريخية لصنع حل نهائي لنظام الحكم الملكي هذا، إن كان فعلاً يريد المشاركة في تحرير فلسطين وإنهاء وجود الكيان الإسرائيلي. وإلا فإن هذا النظام سيبقى عقبةً كبيرة أمام أي مواجهة وحرب كبرى لإسرائيل.
الكاتب: غرفة التحرير