بعد زيارة السيد اسماعيل هنية إلى تركيا، بدأت الدعاية الصهيونية تتحدث عن نقل مكاتب حركة حماس من قطر إلى تركيا. دعاية ليست بالبسيطة، يبدو وكأنها تحمل حركة المقاومة الإسلامية من حضن عربي إلى الحضن التركي. في جزئية كبيرة لا تختلف قطر في مواقفها كثيراً عن تركيا، ولكن على الأقل وضمن الإحتضان القطري للجناح السياسي لحركة حماس تبقى الحركة ضمن إطار عربي، إضافة إلى كونها ضمن الاطار السياسي الذي يشكله التوجه العام لقطر والمرتبط بحركة الاحوان المسلمين بشكل عام. ومن خلال استعراض ما كشفته بعض الصحف والمواقع العربية أو الناطقة بالعربية فسنجد أن المطلب بنقل مكاتب حماس هو مطلب أميركي بحت، وخطوة من أجل إنقاذ "اسرائيل" من الذهاب إلى معركة خاسرة في رفح.
التوجه الصهيوني بالدفع نحو نقل مكاتب حركة حماس من قطر يقع في إطار الضغط على قطر أولاً من أجل فرض الشروط الإسرائيلية من أجل إطلاق الأسرى الصهاينة، الذين تحتجزهم حماس منذ عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ومعاريف العبرية أن من يضغط على قطر من أجل إخراج قيادات حماس واغلاق مكتبها في قطر، هم الصهاينة والأميركيين. وأيضاً ما نقل عبر الصحافة هو نفي قيادة حماس لهذا النوع من الأخبار المنشورة.
والقضية في حقيقة الأمر هي في الأخبار التي تنشر حول هذا الأمر، فالحركة خرجت في بداية الأمر من الأردن بعد محاولة اغتيال خالد مشعل في نهاية التسعينات، وخرجت من السعودية بعد اعتقال عدد من عناصرها، وخرجت من سوريا بسبب مواقفها التي اتخذتها إبان الحرب على سوريا. لا يمكن فصل دور حماس في المرحلة ما بين 2011 و2015 بالذات عن تلك التي اتخذتها قطر وتركيا تجاه البلدان العربية الثلاث الآنفة الذكر. فاتجهت الحركة بمكاتبها السياسية وبرعاية ورضا أميركي إلى قطر. يظهر أن ما حدث كان محاولة السيطرة على الحركة وتقييد حركتها الدولية وإخراجها من إطار الدعم الشعبي العربي، وخاصة إذا ما كنا نتذكر تصريح رئيس وزراء الكيان في العام 2019 حين قال إن على اسرائيل أن تنهي الحديث عن إيران كما أنهت الحديث عن القومية العربية، بحيث تستطيع دولة الكيان والولايات المتحدة فرض شروطها بعد كل معركة، وعبر محاولات الإغراء بإعادة الإعمار في غزة بعد كل حرب تدميرية اسرائيلية. ولكن اليوم لا يريد الحليفان إعادة بناء غزة بل يريدان تهجير أهلها إلى الأبد. كما يبدو أن الأمر قد يكون مناسباً بسبب الإحراج، الذي وقعت به تحت وطأته الدول العربية التي طبعت مع الكيان.
مع انطلاق المعركة ضد الفلسطينيين في غزة والضفة بعد عملية طوفان الأقصى، ما كان مفاجئاً للإسرائيليين والأميركيين، هو زخم الحديث عن دعم الشعب العربي، والذي تجلى في دعم جبهات اليمن ولبنان والعراق، من خلال إطلاق العمليات ضد الصهاينة ابتداءاً من أراضيها، اتضح أن نظرية نتنياهو بإنهاء الشعور القومي العربي كانت نظرية فاشلة، وخاصة مع الدعم الشعبي الذي يجتاح الدول العربية وخاصة المطّبعة منها في الأردن ومصر والمغرب العربي، وانطلاق حملات الدعم من الكويت وعمان، وإن كان عبر المواقف الرسمية والبرلمانية، وهذا جيد. والأكثر من ذلك هو الحديث المتصاعد عن دعم إيران للمقاومات العربية، مما أنهى آمال نتنياهو التي تحدث عنها عام 2019.
لم يتوقف دعم غزة وفلسطين، بل امتد ليصل أهم مراكز تشكل الوعي السياسي في الجامعات الأميركية والغربية، لكن العمل من أجل دعم الدولة الفلسطينية لم يبدأ في الغرب خلال الأشهر الماضية فقط، بل إن القضية الفلسطينية لها مناصريها في الغرب عبر العمل التراكمي الذي قام به مجموعة كبيرة من الطلاب الفلسطينيين والعرب، وخاصة اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين ودول المغرب العربي، عبر "حركة مقاطعة اسرائيل"، BDS، والتي نشطت منذ العام 1993، أي بعد حرب الخليج الأولى، وبعد اتفاق أوسلو. ووصلت أوجها في العام 2005، وعمّت تحركاتها الجامعات الأميركية عند انطلاق عملية سيف القدس في العام 2021. أي أن التضامن بات خارج حدود الدول العربية ليطال الدياسبورا الفلسطينية والعربية في بلاد العم سام وأوروبا، ضمن هذه الظروف يبدأ العمل الصهيوني من أجل مقاطعة قطرية لحماس. وتبدأ دعاية إخراج حماس من قطر.
لم يكن اختيار تركيا، التي لم توقف دعمها بإيصال الوقود والغذاء إلى الكيان طوال فترة الحرب على غزة، اعتباطياً إلى أن زار السيد اسماعيل هنية تركيا، مع العلم أن وقف تدفق البضائع أو استمرارها حتى اليوم أمر يحتاج إلى تدقيق وثمة معلومات تفيد عكس ذلك. والأمر الآخر الذي يحتاج إلى تدقيق أكثر هو الدفع لخروج حماس من الحضن العربي إلى الحضن التركي. هناك محاولة لخلط الأوراق للتشكيك بدور المقاومات، فجبهة المقاومة في لبنان واليمن والعراق وحتى في فلسطين تدعمها إيران، والجبهة السياسية في حماس ستدعمها تركيا إذا ما رحلت إليها. تركيا صاحبة العلاقة مع الكيان منذ تشكله، ومنذ تشكل الدولة التركية الحديثة في عشرينيات القرن العشرين، من خلال علاقة أتاتورك ويهود الدوما مع الحركة الصهيونية. ما هو المطلوب في هذه الحالة، اظهار أن الصراع على فلسطين هو صراع سني شيعي، وهو ما تحدثت فيه وسائل الإعلام فعلياً وخاصة الغربية والصهيونية، وبالتالي إعادة تقسيم الرأي العام العالمي والعربي بعد أن اجتمع على وحشية الكيان وعدم شرعيته. ما يحدث يحتاج للمزيد من التدقيق وهو ليس بعيداً عن خلق الفتنة حتى بين القيادتين السياسية والعسكرية في حماس، ولكن القيادة السياسية أحبطتها ووأدتها في المهد!
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU