امتلأ الإعلام العربي وخاصة المعارض بالتأويلات حول أسباب عدم إلقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، كلمة خلال قمة البحرين منذ أسبوع، كما فعل خلال قمة الرياض في 11 تشرين الثاني من العام 2023، خلال القمة العربية الإسلامية في جدة. جاءت قمة البحرين في وقت يراد خلاله إعادة تفعيل الأزمة في سوريا من خلال مجموعات داعش الإرهابية وإنفصاليين في كل من السويداء والإدارة الذاتية الكردية في شرق الفرات. كما جاءت في وقت فيه يعول فيه على الإرهابيين المنفصلين عن الدولة من اجل إعادة تجديد القتال فيها. والملفت كم التعليقات على صمت الرئيس الأسد في قمة البحرين كثيرة ومعظها فارغة لا تستند إلى حقائق ولها علاقة كبيرة بما يتأمله هؤلاء، والتي تتم بذات المنهجية التي استخدمها هؤلاء منذ العام 2011، كما يستخدمها اعلامهم والإعلام الغربي المعرب مثل ال CNN، والBBC والحرة وتلفزيون سوريا وغيرهم، وكأننا نعيد الإستماع إلى نفس الإسطوانة المشروخة.
نعم لم يتحدث الرئيس الأسد، والمتابع لصفحات الإعلام فإن الأسد أثار الإهتمام بصمته أكثر من القمة وبياناتها، فالجميع كان يتوقع قمة كما القمم الأخرى بيانات دون آليات لتطبيقها، مع أن وكالة الأنباء السورية [سانا] نشرت على صفحتها أن عدم إلقاء الرئيس السوري لكلمة يأتي: "انطلاقاً من ثبات الرؤية السورية تجاه المستجدات التي تشهدها المنطقة، إذ سبق أن حدد سيادته وعلى مدى سنوات عديدة رؤيته لمختلف القضايا العربية بما فيها العروبة والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وإصلاح الجامعة العربية، والتي انطلقت أساساً من ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك، وتطوير آلياته بما يناسب العصر لتجنب المخاطر التي تتهدد المصالح العربية"، وتابعت "ما تمر به المنطقة العربية اليوم يؤكد أن ما طرحه السيد الرئيس عبر قمم عديدة سابقة أثبت أنه الرؤية الوحيدة القادرة على تحقيق المصالح العربية".
وفي الحقبقة أن لا حاجة لأن يقول الأسد شيئاً في هذه القمة، وخاصة أن أهم مواضيعها كان نقاش مايحدث في فلسطين اليوم، وهو موقف أعلنه الرئيس الأسد بوضوح خلال قمة جدة. وتضمنت: إعادة إحياء المبادرة العربية وإقامة دولتين فلسطينية ويهودية على أراضي فلسطين التاريخية. الحديث عن الدولتين في وقت يذبح فيه الشعب الفلسطيني يبدو أنه خارج السياق، ويأتي شاذاً لأن الدولة المستضيفة هي دولة مطبعة مع الكيان ولن تقوم بأكثر من إدانة الجرائم، ودون إدانة الإحتلال. وفي الحقيقة أننا في هذه المرحلة التاريخية ومع السلوك الذي يسلكه رئيس وزراء الكيان وتصرفاته التي بات شعبه يصفها بأوصاف تشبه أوصاف الرعناء، فمن الغريب أن يعتقد أحدهم أن حل الدولتين بات ممكناً. ولا يوجد اليوم من يحكم أو لديه السلطة في دولة الكيان من يستطيع على المستوى النفسي أو السياسي أو الشعبي أن يتخذ هكذا قرار، وحتى الأميركيون ومن خلال الدعم المطلق الذي قدموه لجرائم الكيان خلال أكثر من 220 يوم حتى الآن لا تبشر بن هناك من يمكنه ضمان هكذا اتفاق، إذا ما كان الأميركيون غير قادرين على ضمان تنفيذ اتفاق أوسلو ووادي عربة وغيرها. والأسوء من هذا وذاك، أنه ليس لدى المجتمعين خارطة طريق تحدد آلية دخول المسعدات إلى غزة في أقل تقدير، ولا القدرة على وقف دخول البضائع عبر طريق دبي معبر أبي سالم ما بين الأردن وفلسطين. ولم يصدر البيان دعمه ووقوفه لما تقوم به دولة جنوب إفريقيا من اجل الدفع على محاسبة الكيان ورئسه بجرم جرائم ضد الإنسانية عبر المحكمة الدولية.
والرئيس الأسد يعرف هذا كله ومتأكد مما يخفيه الأميركي في جعبته من مصائب ستتحمل نتائجها فلسطين أكثر فأكثر. وفلسطين هي القضية، وهذا ما جاء في كلمته التي ألقاها خلال قمة جدة، والتي عقدت بعد انطلاق طوفان الأقصى وبدأت المجازر الصهيونية بحق أهل غزة. كما شهدت قمة جدة بداية عودة الدولة السورية لشغل مقعدها رسمياً بعد وقف عضويتها، الذي دام من 2012 حتى وقت انعقاد القمة. وهنا علينا أن لا ننسى الحقيقة التي مفادها أنه منذ الإنتصارات التي حققتها سوريا في العام 2018، والدول العربية وبعض من السفارات الأجنبية بدأت بالتوافد عائدة إليها، وسوريا لم تذهب إلى أحد لم يأتي إليها طالباً ودها، وبكل ما للكلمة من معنى. ولهذا فإن عدم إلقاء الأسد لخطبة يعيد فيها المواقف الثابتة، في وقت صار فيه السيف أصدق إنباء من الكتب، لا داع له كما جاء في ما نشرته سانا.
وما يجعل الرئيس الأسد يفضل الصمت على الكلام، أن المجتمعين لم يقربوا الدعم الأميركي لحكومة الكيان ، وماذا يقول لهم: "مرحى، مرحى"! اذ أنه من المعروف أن بقاء هذه الأنظمة مرهون بالوجود الأميركي والصهيوني في المنطقة وهذا ما يتطلب كفاحاً جعلنا طوفان الأقصى والحق يقال نقطع نصف الطريق في هذا النضال وخاصة مع دخول المقاومة في لبنان على خط الدعم والمقاومة في العراق وكذلك اليمن العزيز، والذي لم يحضر ممثليه الحقيقيين إلى القمة. وهذا ما فعله العربان خلال القمم حين أجلس فيها مكان الدولة الرسمية ممثلين عن المعارضة، وليس هناك من يأمن لهم.
والسؤال المطروج، ذهب الرئيس الأسد للقمة بدعوة رسمية من ملك البحرين، كما ينص البروتكول، فإذا لم يلق كلمة قلماذا ذهب؟
ذهب الرئيس الأسد، لأن الحلول لا تكون بالمقاطعة، ولكي يثبت أن للدولة السورية الرسمية والشرعية مكانتها التي لن تمنحها لأحد. كما أن البيان النهائي للقمة كان قد أعد كما العادة خلال اجتماعات وزراء الخارجية، وقد ذهب خلال الإجتماع كل من وزير الخارجية السوري ووزير الإقتصاد، وهما من مثلا الوفد الرسمي مع الرئيس، حتى أنه لم يكن هناك وفد إعلامي، مما يدل على ان ما أراده الأسد تبيانه هو حقيقة ما يمكن ان تاتي به نتائج الإجتماعات، خاصة وأن البيان الرسمي المتعلق بسوريا كان قد سطر. صحيح أن البيان المتعلق بسوريا ابتدأ بالقرار 2254، حيث جاء فيه: "نؤكد من جديد على ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254 وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين، ونرفض التدخل في شؤون سوريا الداخلية، وأي محاولات لإحداث تغييرات ديموغرافية فيها"، لقد أكد البيان عدم التدخل بالشؤون السورية الداخلية أو الخارجية، مما وأد القرار 2254 للمرة الأخيرة في مهده. كما تحدث البيان عن العودة الطوعية للآجئين السوريين، أي أنه لم يلزم أية دولة عربية بإعادتهم بالقوة وغصباً عنهم أو عن الدولة السورية، ودون أن يقوم الرئيس الأسد بعبء لفت النظر إلى الموقف السوري.
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU