الأربعاء 22 أيار , 2024 01:10

ثوابت السياسة الخارجية الايرانية

كان استشهاد الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي، مناسبةً ليفتح باب النقاش من جديد حول مدى تأثر البلاد بفراغ موقع الرئاسة وكيف ستتغير مقاربة الجمهورية الاسلامية لعدد من الملفات الاقليمية والدولية. وعلى الرغم من أن طهران قد مرت بتاريخ مليء بالتحديات منذ انتصار الثورة الاسلامية ثمانينيات القرن الماضي، أثبتت خلالها أن استراتيجتها ثابتة وفق المبادئ التي تؤمن بها، إلا ان هناك مَن لا يكف عن اصطياد الفرص لإعادة التعويل من جديد على تغيّرٍ ما في سياستها الخارجية، كوسائل الإعلام التابعة للمنظومة الأميركية الغربية.

بعد ساعات قليلة على نبأ سقوط المروحية، وقبل أن تتضح أي من ملابسات الحادثة، أكد الامام السيد علي الخامنئي على انه "لن يكون هناك أي خلل في عمل البلاد". وهذا ما حصل بالفعل، مع الانتقال السلس للسلطة عملاً بالدستور وفق البند 131، وتولى محمد مخبر النائب الأول للرئيس مهامه، ثم جرى الاعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 28 حزيران/ يونيو، بعيد ساعات من تأكد نبأ استشهاد رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان ورفاقهما، لضمان استقرار البلاد السياسي والاقتصادي.

خلال العقود الماضية، برهنت طهران التزامها بثوابت محددة لسياستها الخارجية. وعلى الرغم من تواتر الرؤساء بين محافظين واصلاحيين واختلاف السياسات بينهما بقدر ما، إلا ان الالتزام بمسار واحد يكمن بأن ايران دولة مؤسسات، يؤمن شعبها -كمصدر للسلطات- بمحددات واضحة، ترفض التبعية والاملاءات الخارجية وترغب في تحصين البلاد اقتصادياً وسياسياً، وتدعم حركات التحرر في العالم. وهنا عرض لأبرز الملفات التي تعد من ثوابت السياسة الخارجية الايرانية، والتي لا تتأثر باسم شخص الرئيس:

محور المقاومة والقضية الفلسطينية:

مورس على إيران كم هائل من الضغوط وفرض عليها عدد كبير من العقوبات هي كانت بأحد أوجهها تهدف إلى اعاقة تقدمها ونموها على مختلف الصعد، منذ أكثر من42 عاماً. على الرغم من ذلك، لم يفلح حاملو لواء العقوبات من انتزاع موقف واحد من ايران، يتعارض مع الأسس والمعايير التي أرساها قائد الثورة الاسلامية الامام السيد روح الله الخميني، ثم خلفه السيد الخامنئي، ولم تتراجع رغم كل عمليات الاغتيال بحق علمائها النوويين وأعلامها السياسيين الثقافيين وخبرائها الاقتصاديين، عن دعم القضية الفلسطينية، بل كانت تزود مختلف حركات التحرر في المنطقة -بحسب قادتها- بكل التكنولوجيا العسكرية لديها لمواجهة الاستبداد الأميركي الاسرائيلي.

وهذا ما جاء أيضاً على لسان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، خلال حضوره مراسم التشييع "نحن مطمئنون إلى أن الجمهورية ماضية في سياستها وثوابتها برعاية قائدها في دعم فلسطين والمقاومة".

المفاوضات النووية:

خلافاً للرغبة الاوروبية الأميركية، رفضت طهران منذ بدء المفاوضات مع مجموعة 5+1 مناقشة أي من الملفات التي لا تتعلق مباشرة ببرنامجها النووي . ورغم سعي الولايات المتحدة بزج ملفات المنطقة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين في المفاوضات تارة وبرنامج العسكري والصواريخ الباليستية تارة أخرى، كان الوفد المفاوض متمسكاً بالثوابت التي حملها معه إلى العاصمة النمساوية فيينا. خلال تلك الفترة، توالى على الرئاسة الايرانية عدد من الشخصيات من منابع سياسية مختلفة، ورغم ذلك، لم تتأثر مخرجات المفاوضات بالضغوط الأميركية ولم يحدث في البلاد ما يخرج الأمور عن السيطرة، حتى عند انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق فور انتخابه. وللمفارقة، أن جدل الثوابت والمتغيرات في السياسة الخارجية فتح أيضاً حينها، كنوع من "الدراما" الاعلامية خدمة للمشروع الأميركي في حصر ايران بسردية تقوم على أنها "دائماً ما تواجه المشاكل والتحديات"، على الرغم أن الداخل الايراني أثبت العكس.

العلاقة مع دول العالم:

تقوم الرؤية الايرانية في علاقتها مع الدول خاصة الاقليمية العربية منها والمجاورة على مبدأ الحوار والتعاون. حيث شكل هذا المبدأ أحد أهم الأسس المبدئية في السياسة الخارجية الايرانية.  ولعل اعادة العلاقات مع السعودية الذي جرى الاعلان عنه في 10 آذار/ مارس عام 2023، مثال واضح على النهج الذي تتبعه ايران على رغم من الجهود المبذولة لاقصائها. يذكر أيضا، انضمامها للمنظمات الدولية كمنظمة شنغهاي وبريكس، كمثال آخر على دورها الفاعل على الساحة الدولية وعلاقاتها الواسعة مع مختلف الدول على أساس الندية لا التبعية، وهو ما أكده الرؤساء الايرانيون المتعاقبون في المحافل الدولية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور