الأربعاء 07 آب , 2024 03:23

تمهيد مسرح العدوان على إيران

إيران والكيان المؤقت

منذ شهر تقريبًا، تكثّفت الدعاية الأميركيّة-الإسرائيليّة ضد إيران، في سبيل تهيئة مسرح العدوان عليها، فأرسلت إدارة "بايدن" تحذيرًا خاصًّا لها عبر دولة ثالثة وقنوات مباشرة حول عمليّات البحث والتطوير والأنشطة النوويّة التي يمكن استخدامها لإنتاج سلاح نوويّ من قبل العلماء الإيرانيّين، وفق ادعاءاتهم ومزاعمهم، تحت عنوان إشارة مقلقة عن طموحات إيران النووية والخشيّة من جهدها السرّي للاستفادة من فترة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة لتحقيق تقدّم نحو تصنيع السلاح النوويّ؛ وفي هذا الإطار، قال مستشار الأمن القوميّ السابق لرئيس الوزراء الإسرائيليّ "ياكوف ناغيل"، الذي يشغل الآن منصب زميل أوّل في مؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيّات، "إن عشرات من العلماء الإيرانيّين يعملون في الأشهر الأخيرة على عمليّات تقنيّة ضروريّة لبناء قنبلة ذريّة". وأضاف إن هذا النشاط يجري "تحت مظلّة أكاديميّة". وكان نتنياهو قد طلب من البيت الأبيض عقد المجموعة الاستشاريّة الاستراتيجيّة الأمريكيّة الإسرائيليّة (SCG) لمناقشة حالة البرنامج النوويّ الإيرانيّ. رغم أن إيران قد نفت مرارًا وتكرارًا رغبتها في الحصول على أسلحة نوويّة. 

 ثانياً، جرى تعويم الخبر عن زيادة الخدمة السريّة الأميركيّة لإجراءات الأمن حول الرئيس السابق "دونالد ترامب" في الأسابيع الأخيرة، على ضوء معلومات استخباراتيّة عن "مخطط اغتيال إيرانيّ له". وقد زعمت وسائل الإعلام المقرّبة من الجمهوريّين مؤخرًّا بأنّ إيران متورّطة في محاولة الاغتيال لـ"ترامب"، وذكرت "سي ان ان" بأن السلطات الأميركيّة حصلت على معلومات استخباريّة من مصدر بشريّ في الأسابيع الأخيرة حول "مؤامرة إيرانيّة لمحاولة اغتيال دونالد ترامب"، وأنّ هذا التطوّر أدّى إلى زيادة جهاز الخدمة السريّة لإجراءاته الأمنية في الأسابيع الأخيرة.

بينما اختارت إيران المسار القانونيّ لمحاسبة ترامب بدلًا من السيناريو الهوليوودي المخطط له مسبقًا. فقد أكّد القائم بأعمال وزير الخارجية الإيرانيّ "علي باقري كني" بأنّ إيران استخدمت، ولن تستخدم إلا، الآليات القانونيّة والقضائيّة المحليّة والدوليّة لتأكيد حقوقها وكذلك لتقديم القادة والمنفّذين والعملاء الذين شاركوا في اغتيال القائد الشهيد"سليمانيّ"، فيما أكّد مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة " أمير سعيد إيرواني" أنّ وجهة نظر إيران تقول بأنّ ترامب مجرم ويجب محاكمته ومعاقبته في المحكمة لأنه أمر باغتيال الجنرال "سليماني".

ثالثاً، أعلن الجيش الإسرائيلي بأنّ المسيّرة (يافا) التي انفجرت في تل أبيب إيرانيّة الصنع، وأنّ إطلاقها تمّ من اليمن، وأضاف سنجري تقييمًا لتحديد طبيعة ردنا بشأن مهاجمة من يهدّدون "إسرائيل".

رابعاً، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي بيانًا ذكر فيه "تمديد العقوبات على إيران بسبب الدعم العسكريّ الإيرانيّ لحرب روسيا ضد أوكرانيا والجماعات والمؤسّسات المسلّحة في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر لعام آخر".

خامساً، أفاد موقع "واللا" الإسرائيليّ بأنّ أجهزة الأمن اعتقلت إسرائيليًّا جنّدته إيران للقيام بمهام مدفوعة الأجر.

سادساً، شكّل خطاب نتنياهو بصيغته التي ظهر فيها ومعه تصفيق أعضاء الكونغرس الأميركيّ وتعبئتهما الرأي العام، ذروة التحريض على إيران، متحفّزًا ومحرّضًا على تشكيل تحالف في الشرق الأوسط لمواجهة تهديدات إيران يكون امتدادًا لاتفاقات أبراهام، معتبرًا أنهم على مفترق طرق تاريخيّ، والصراع ليس بين حضارات وإنما بين البربريّة والتحضّر، وأنّ معاداة الساميّة هي أكثر أنواع الكراهية انتشارًا منذ عقود، وأنّ الشرق الأوسط يواجه محور الإرهاب الإيرانيّ، وأنّ إيران هي المسؤولة عن كل الإرهاب وكل القتل في المنطقة، وأنّها تموّل المظاهرات التي تحدث خارج "الكونغرس" أثناء خطابه، وأنّها تدرك أن التحدّي الحقيقي هو احتلال الشرق الأوسط عبر وكلائها ومدّعيًا أنّ إسرائيل تقف عقبة أمامها، مستخلصّا خدماته الإرهابيّة للإرهاب الأميركيّ بقوله: "نحن لا نحمي أنفسنا فقط من إيران بل نحميكم أنتم أيضًا".

ما هي إلَا أيّام أو ساعات على عيّنة من موجة التحريض هذه، حتى باشرت أميركا وإسرائيل وحلفاؤهما وأدواتهما ومعهما ما يسمى بالمجتمع الدوليّ العدوان السافر والغادر باغتيالهم القائد الجهاديّ الكبير في حزب الله "السيد فؤاد شكر"، ورئيس المكتب السياسيّ لحركة المقاومة الإسلاميّة-حماس الشهيد اسماعيل هنيّة؛ لتنتقل المواجهة إلى عتبة جديدة لا تخضع لجنون عظمة نتنياهو أو اضطرابه إنما تعبّر عن المأزق الحضاري للغرب في نظرته للإنسانيّة وحقوقها وكرامتها، وما إيران إلّا درّة التاج في حماية الحريّة والكرامة الإنسانيّة مقابل تلك الأجهزة العميقة في دول وكيانات مجموعة الهيمنة العالمية بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة وقاعدتها الأمنيّة "إسرائيل".

وعلى العالم أن ينتظر على "رجل وربع" العقاب القادم، الذي سيحمل لواءه محور الكرامة الإنسانيّة وجبهة المقاومة العالميّة، لتبديد كل تلك المزاعم الباطلة ولممارسة حق الدفاع المشروع، دون تردّد أو تلكؤ إنّما بأناة وحكمة وشجاعة، وردّ إبداعيّ يخدم الأفق الاستراتيجيّ لإيران وحلفائها وشعوب المنطقة، ويليق بشرف الضيافة ويهدي السلام بأفضل تحيّة إلى "يحيى السنوار"، ذلك القائد والمقاوم الرمز والرجل العربيّ الذي يكتب العبريّة بطلاقة، ويعرف تاريخ وثقافة عدوّه جيّدًا، حيث شكّل اختياره لرئاسة المكتب السياسيّ لحركة حماس وخلافة الشهيد اسماعيل هنيّة، بداية الرد النوعيّ الدبلوماسيّ الجهادي المشرِّف، على طريق الرد العسكري والأمنيّ القادم، وعلى طريق القدس وتحريرها.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.عبد الله عيسى

باحث في الاجتماع السياسيّ والشؤون الإيرانيّة




روزنامة المحور