خوفاً من اشتعال انتفاضة ثالثة تتراكم مقوماتها مع مرور الوقت، أدار الاحتلال بوجهه ناحية الضفة الغربية لإخماد العمل المقاوم فيها، بحثاً عن صورة انتصار لم يستطع تحقيقها في قطاع غزة. وعلى الرغم من كثرة التصريحات التي توحي بأنها عملية مصغرة روتينية، إلا أن الدلائل تشير إلى قرار إسرائيلي مبطن بتوسعة العملية وتهيئة الأرضية لتهجير الفلسطينيين في نهاية المطاف، على الأقل، هذا ما يرغب به التيار اليميني المتطرف في الكيان، ويسعى لتحقيقه مستغلاً الفرصة متى أتيحت، لتكرار خطابه الداعي لضم الضفة إلى "إسرائيل". في حين أن للمقاومة في جنين وطوباس وطولكرم رأي آخر أثبت جدواه طيلة عقود الماضية، خاصة وأن "العشب" الذي قضى عليه الكيان في عمليات سابقة، عاد وأنبت مجدداً في مختلف مناطق الضفة.
أطلق جيش الاحتلال عملية عسكرية أطلق عليها "مخيمات الصيف"، هي الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002 إبان انتفاضة الأقصى. وبحسب وسائل اعلام إسرائيلية، فإن العملية تتم بمشاركة سلاح الجو والشاباك والمستعربين وعدد كبير من القوات والمروحيات والمقاتلات. فيما أطلقت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- اسم "رعب المخيمات" على عملية التصدي.
ووفقاً لما ذكره مسؤولون عسكريون اسرائيليون، فإن العملية أُطلقت لأن "الوضع في الضفة الغربية بات مصدر قلق جدّي لإسرائيل". ويأتي ذلك بعد فشل سلسلة المحاولات لضبط الوضع في جنين وطولكرم وبعد سلسلة الاغتيالات التي نفذها الاحتلال لأكثر من 11 قائداً ميدانياً في الاشهر الماضية.
ومع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ظهرت على السطح مخاوف من تهجير الفلسطينيين من الضفة، خاصة وأن العملية الإسرائيلية تستهدف المناطق التي تمتاز بالكثافة السكانية المرتفعة، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال إنه "يجب التعامل مع الضفة تماماً كما نتعامل مع البنية التحتية في غزة، بما في ذلك إخلاء مؤقت للسكان وأي خطوات قد تكون مطلوبة". كما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أنه من المحتمل "أن يتم تنفيذ إخلاء منظم للسكان المدنيين وفقاً لمراكز القتال المتوقعة".
ويمكن تلخيص أهداف العملية بحسب الأولويات الإسرائيلية: اجتثاث بؤر المقاومة في شمال الضفة التي تعاظمت وتمددت بعد عملية "بأس الاحرار في جنين" أيار/مايو عام 2023، وباتت مخيمات ومدن شمالي الضفة تعتبر ملاذاً آمناً لمعظم الفدائيين ومنفذي العمليات، إضافة لنسف فكرة مخيم جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية وطوباس كنموذج وقدوة للمقاومين في الضفة الغربية وأراضي الـ 1948، ثم ترميم صورة الردع الإسرائيلي بضرب بيئة المقاومة في الضفة.
تعكس الإجراءات التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي خلال اقتحامه رغبة في ضرب البنية التحتية. وقد يلجأ لجرف المخيمات ايضاً كما فعل في جنين بعيد عملية "السور الواقي". وعلى الرغم من أن اخلاء السكان كان أمراً روتينياً يحصل عند أي عملية عسكرية سابقاً، إلا ان توسيع الرقعة لتشمل كافة المخيمات واتباع إجراءات أكثر دقة وشمولية، تجعل المخاوف من اتباع سياسة التهجير ودفعهم نحو حدود الأردن، أمراً منطقياً وبمحله، ولو أن هذا الأمر قد يتطلب فترة طويلة، بغض النظر عن القدرة الإسرائيلية في فعل ذلك، واستجابة أو رفض الجانب الأردني أيضاً. وهذا ما يعني أن العملية قد تستمر لعدة مراحل، يتخللها حالة من الترقب، نظراً لعدد من المحاذير أولها السلطة الفلسطينية.
على الرغم من الانسياق الأميركي مع مختلف العمليات العسكرية الإسرائيلية على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن واشنطن قد تبدي بعض القلق من استمرار العملية في الضفة لوقت طويل، أو ضرب ما تبقى من السلطة الفلسطينية فيها.
لعقود مضت، كانت الضفة مصدر قلق لقادة الكيان، حتى أن رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون اضطر بعيد انتفاضة الأقصى إلى شن عملية استمرت من 29 آذار/مارس عام 2002 إلى 10 أيار/ مايو من العام نفسه، وبناء جدار الفصل العنصري، وما رافقه من تدمير كبير للبنية التحتية للمقاومة. في حين أن إعادة السيناريو نفسه بعد أكثر من 22 عاماً، يعني أن المقاومة قادرة على تجديد نفسها بأصعب الظروف.
الكاتب: غرفة التحرير