يشهد كيان الاحتلال تظاهرات واسعة يشارك فيها مئات الآلاف من المستوطنين المطالبين بعقد صفقة واستعادة الأسرى في قطاع غزة، بعد أن عثر على جثث 6 منهم في رفح، من بينهم 3 كان سيفرج عنهم في المرحلة الأولى لو لم يعرقل رئيس الوزراء الإسرائيلي التوصل إلى اتفاق. يحمّل المتظاهرون مسؤولية مقتل الأسرى لبنيامين نتنياهو، فيما أعلن اتحاد النقابات العمالية في إسرائيل أنه يدرس "تمديد الإضراب العام إلى يوم غد وتوسيعه ليشمل قطاعات أكبر".
افتتح يوم التداول بانخفاضات مختلفة، حيث سجل مؤشر تل أبيب 35 انخفاضاً بنسبة 0.2 %، ومؤشر تل أبيب 90 بنسبة 0.1%. من بين المؤشرات القطاعية، يبرز مؤشر TA-Oil، الذي يفقد حوالي 0.6%. وعلى الرغم من أن ارقام الخسائر لا تزال طفيفة، إلا ان القلق يساور رجال الأعمال والاقتصاد من أن يستمر الاضراب لأيام عدة، خاصة بعد الإعلان عن نية تمديد من جهة، وطبيعة البورصة الهشة التي تتأثر بسرعة بالمتغيرات السياسية والأمنية.
ويدخل الإضراب حيز التنفيذ في المدارس والجامعات وقطاعات اقتصادية واسعة ومطار بن غوريون وميناء حيفا تضامناً مع ذوي الأسرى، وذلك عقب إعلان جيش الاحتلال انتشال جثث 6 أسرى في غزة، هم كرمل جات، إيدن يروشالمي، هيرش غولدبرغ، ألكسندر لوبانوف، ألموغ سيروسي والرقيب أوري دانينو. في حين أن ما أعطى الزخم الكبير لهذا التحرك، أن تأكيدات كانت وصلت إلى عائلاتهم تفيد بأنهم لا زالوا أحياء، وعدداً منهم كان سيفرج عنه في أول صفقة تبادل، قبل أن يفشل نتنياهو جهود الوسطاء بشروط جديدة، أبرزها البقاء في محور فلاديلفيا، وفرض النفي خارج غزة لعدد كبير من الاسرى الفلسطينيين.
يعكس هذا الاضراب في أحد جوانبه، عن حجم الانقسام بين اليسار واليمنيين المتطرفين في الكيان. ففي الوقت الذي نزل ما يزيد عن 300 ألف مستوطن للتظاهر داعين لوقف الحرب واستعادة الأسرى، شنت وسائل اعلام عبرية يمينية ومؤيدة للحكومة حملة واسعة للتجييش ضد الاضراب، خاصة وأنه يأتي في ظل حرب متعددة الجبهات من جهة، ويؤثر على الاقتصاد من جهة أخرى، كما يتزامن مع بدء العام الدراسي، الذي كان من المفترض أن يبدأ صباح هذا اليوم الاثنين.
وفي الوقت الذي انضم فيه وزير الحرب يوآف غالانت إلى مساندة المتظاهرين داعياً الحكومة إلى التراجع عن "تمسكها بإبقاء القوات الإسرائيلية عند ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، وهي نقطة خلاف رئيسة على طاولة المفاوضات في شأن وقف النار داخل غزة"، ومشدداً على أنه "يجب أن نعيد الرهائن"، هددت رئاسة الوزراء الإسرائيلية موظفيها بخصم رواتب المتغيبين عن العمل".
تتزايد حالات الانقسام داخل الكيان وتكشف في كل مرة عن حجم الهشاشة الداخلية والتفكك مع تعدد أهداف كل طرف حسب مصالحه السياسية. لكن هل ستستطيع الاحتجاجات التأثير على قرارات نتنياهو والضغط باتجاه عقد صفقة؟ هناك احتمالات ترتبط بالمتغيرات على الأرض:
-اذا استجاب المتظاهرون لقرار المحكمة بوجوب فض الاضراب اليوم، سيكون مفعول الاضرار قد انتهى ولو كان عدد المشاركين قد تجاوز نصف مليون مستوطن، وستكون تداعياته الاقتصادية محدودة.
-اذا استمر الاضراب وتزايد عدد المتظاهرين، سيكون على نتنياهو التفكير مرات عدة قبل افشال أي صفقة في الأيام المقبلة.
في حين، ان الثابت الوحيد أمام خروج المستوطنين الكبير، هو أن المشهد العام الداخلي في الكيان يبدو أكثر تعقيداً مما كان عليه بداية الحرب. حتى ان المستوطنين وذوي الأسرى باتوا أكثر قناعة بأن الحكومة الإسرائيلية لا تهتم لعودة الأسرى أحياء، وهذا ما قاله نتنياهو صراحة، عندما أشار إلى أهمية البقاء في فلاديلفيا على حساب الاسرى.
بالمقابل، فإن نتنياهو الذي يحاول لملمة الحكومة خوفاً عليها من الانهيار، لم يعد باستطاعته غض الطرف عن انتقادات غالانت المستمرة، الأمر الذي قد يدفعه إلى اقالته، بعد أن صرح الأخير أن لا نية له للاستقالة من منصبه "إذا أراد نتنياهو ذلك، فليطردني بنفسه".
صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية اعتبرت من جهتها، أنه "اعتباراً من الأمس، لم تعد "إسرائيل" هي الدولة نفسها، لقد تم كسر شيء أساسي كان أساس وجودها، نفس العقد المتبادل الذي ربطنا والذي جعلنا نعرف أنه في أوقات الحاجة سنفعل كل شيء من أجل بعضنا البعض وأن الدولة ستذهب إلى نهاية العالم لأجل كل واحد منا، لقد مات هذا الشيء مع الستة المحتجزين في الأنفاق في رفح".
كما دعا حاخام السفارديم الأكبر لليهود الشرقيين، يتسحق يوسف، لصفقة ولو مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين. وقال أثناء مشاركته في تشييع أحد الأسرى الإسرائيليين الستة الذين عثر عليهم في رفح "وفقاً للشريعة اليهودية.. يتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا لإعادة كل الرهائن".
الكاتب: غرفة التحرير