الأربعاء 13 تشرين ثاني , 2024 05:12

الإبادة الثقافية للممتلكات الثقافية والأثرية اللبنانية جريمة حرب

الممتلكات الأثرية اللبنانية

تشكل الأعيان الثقافية رمزًا وهوية وتاريخًا للشعوب وتحتل مكانة مهمة ليس فقط في الوعي إنما أيضًا في اللاوعي عند كل شعب، لذلك فإن أي اعتداء على هذه الممتلكات يعتبر اعتداء على كرامة الشعوب كافة وتاريخها.

يقصد "بالممتلكات الثقافية" بحسب المادة الأولى من اتفاقية 1954 تلك الممتلكات المنقولة أو الثابتة التي تتمتع بحد ذاتها بقيمة فنية أو تاريخية أو بطابع أثري، وكذلك المباني والممتلكات المخصصة بصفة رئيسية وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية، والمراكز التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية وكذلك الآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب إضافةً إلى الممتلكات الثقافية المرتبطة بالمواقع الطبيعية.

وحددت المادة 53 من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف لعام 1977 والمادة 16 من البروتوكول الثاني الممتلكات الثقافية بالآثار التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب. ومن الملاحظ استعمال عبارة "الشعوب" بدلًا من "الدول" كون هناك تراث قد يتجاوز حدود البلد الواحد كحال مدينة القدس المحتلة مثلًا.

والاعتداء على الممتلكات الثقافية لشعب ما لا يشكل اعتداء عليه فقط بل اعتداء على كل شعوب العالم من هنا جاءت ديباجة اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح عام 1954 لتنص على أن "الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب كان، تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جامعة، فكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية". لذلك فإن المحافظة على التراث الثقافي مهمة ومسؤولية الإنسانية جمعاء لما لهذا التراث الثقافي من فائدة عظمى لجميع شعوب العالم ينبغي أن يحظى بحماية دولية كما جاء في ديباجة الاتفاقية.

وتبرز أهمية خاصة لحماية الأعيان الثقافية في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل خزانًا قيمًا لهذه الأعيان كونها المنطقة التي انبثقت منها الأديان السماوية وشكلت منذ فجر التاريخ مهدًا للحضارات من جهة، ولأنها تعاني من جهة أخرى، من نزاعات عسكرية مستمرة ومدمرة ذات طابع دولي أو داخلي.

ففي لبنان تأتي النتائج الدراماتيكية المدمرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على لبنان وخصوصًا في العامين 1982 و2006 واحتلال جزء من أراضيه، إضافةً إلى الحرب الأهلية الداخلية وما نتج عنها من تدمير، لتبرهن كيف أن القانون الدولي الإنساني تم انتهاكه وخصوصًا القواعد والأعراف التي تحمي الأعيان الثقافية والدينية. إذ تشير التقديرات بأن أكثر من 200 موقع أثري أي ما يوازي 25% من الأعيان الأثرية المسجلة دمرت وكذلك الأمر بالنسبة إلى أماكن العبادة. واليوم ومنذ اعلان الكيان الصهيوني الحرب على لبنان في 27 ايلول/سبتمبر 2024، أعاد الكرّة بالاعتداء المباشر على الممتلكات الثقافية والتراثية في جنوب لبنان والبقاع كما فعل ذلك في غزة لتستمر سلسلة جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني دون رادع.

رمى العدو الإسرائيلي بكل حقده وكرهه لتاريخ لبنان مستهدفاً الأبنية والآثار التي تعود إلى آلاف السنين وخاصة في مدينتي بعلبك شرقاً وصور جنوباً، وشن غارات وارتكب فظائع جسيمة تنتهك حقوق الإنسان، ومزّق القوانين الدولية وكذلك القيم التي تأسست عليها الأمم وما يتعلق منها بحماية المواقع التاريخية والأثرية التي يحرّم ضربها.

لا يزال موضوع حماية المواقع التاريخية والأثرية في لبنان لا سيما في بعلبك وصور وصيدا يشكل هاجساً لدى لبنان الرسمي والشعبي، وبعد مراسلات الحكومة ووزارة الثقافة التي حذّرت مما تتعرّض له هذه المواقع من مخاطر متعاظمة جراء الغارات الإسرائيلية الأخيرة والتي بلغت موقف السيارات القريب من قلعة بعلبك وجّه 79 نائباً لبنانياً رسالة إلى المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، تضمنت نداءً إلى المنظمة الدولية لحماية التراث المشترك للبشرية. وتلت هذا النداء النائبة نجاة صليبا وجاء فيه: "في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، خلال الحرب المدمرة على لبنان، ارتكبت إسرائيل انتهاكات وفظائع جسيمة لحقوق الإنسان، ومزّقت القوانين الدولية وكذلك القيم التي تأسست عليها الأمم المتحدة. نستهجن فقدان الأرواح البريئة ونزوح العائلات من منازلها قسراً، وندين هذه الأفعال التي تنتهك قدسية كرامة الإنسان. ومع ثقل هذه المآسي التي تفرض نفسها علينا، نقف بحزم مع مهمة الأمم المتحدة في حماية الأرواح والحقوق والتراث الثقافي، مع إدراك الحاجة الملحة للحفاظ على ما تبقى من إنسانيتنا المشتركة".

وأضافت "بصفتنا برلمانيين، نناشدكم ونلفت انتباهكم إلى ضرورة ملحة: حماية المواقع التاريخية في لبنان، لا سيما في بعلبك وصور وصيدا وغيرها من المعالم الثمينة التي تواجه خطراً كبيراً نتيجة تصاعد الفظائع. هذه المعالم العزيزة، التي لا تقدر بثمن ليس فقط لأمتنا بل للبشرية، تواجه خطراً متعاظماً مع تصاعد وتيرة الحرب. فهي تجسّد قروناً من التاريخ والإنجازات والهوية الإنسانية، وتحمل القيم العميقة التي تربط بين الأجيال" مؤكدة "أن حمايتها ليست مجرد مصلحة وطنية، بل مسؤولية للحفاظ على جزء من الحضارة الإنسانية الذي ينتمي إلى تراثنا العالمي والدولي المشترك".

للتذكير يضم لبنان ستة مواقع مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بما فيها آثار رومانية في مدينتي بعلبك وصور. وحذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس – بلاسخارت من الخطر الذي تشكّله الحرب على مواقع أثرية ولا سيما في المدينتَين. وقد طال الاستهداف مبنى المنشية الأثري الذي يتوسط قلعة بعلبك وفندق بالميرا الذائع الصيت، والذي لحقت به أضرار. وفي مدينة صور، استهدفت غارات إسرائيلية مواقع قريبة من آثار رومانية قديمة. وفي هذا السياق تجرّم العديد من الاتفاقيات الدولية استهداف الطواقم والمنشآت الطبية أثناء الحروب، ومن ضمنها المادة 12 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، والمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

تعرض هذه المادة المرفقة أدناه النصوص القانونية التي تنص على أن القانون الدولي الانساني يلزم الدول بحماية الممتلكات الثقافية والتراثية، ويتحدّث عن مسؤولية الكيان الصهيوني عن انتهاك قواعد القانون الدولي الحامية للممتلكات الثقافية.





روزنامة المحور