اهتم القانون الدولي الإنساني بحماية فئة المقاتلين "المحاربين" وفرض على الدول المتنازعة مجموعة واجبات تجاههم دون التعرض لحماية المدنيين أو تنظيمها ابتداءً من اتفاقيات جنيف الأولى وحتى الثالثة، على الرغم من أن السكان المدنيين هم أكثر الفئات تأثراً واكتواءً بنيران الحروب والأسلحة التي لا تعرف التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين أو بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.
الأمر الذي حدا بالمجتمع الدولي إلى السعي لإقرار قواعد قانونية توفر للأشخاص المدنيين الحماية من خلال القانون الدولي الإنساني وخصوصاً بعد ما شهده العالم من آثار مدمرة للحرب العالمية الثانية (1945-1939)، التي ألقت بظلالها على البشرية مخلفةً أكثر من 60 مليون قتيلاً أغلبهم من الأشخاص المدنيين، إضافة إلى العديد من الجرائم التي ارتكبُت بحقهم من تهجير قسري ونزوح وتدمير لممتلكاتهم، فلم يكن هناك نص قانوني يكفل لهم الحماية باستثناء المادة (65) من لائحة لاهاي التي تنظم العلاقة بين المحتل وسكان الأراضي المحتلة. وتكللت الجهود الدولية الدبلوماسية بإقرار اتفاقية جنيف الرابعة لعام ،1949 والخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن النزاعات المسلحة، والتي تعتبر أول تنظيم قانوني واتفاقية دولية خاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية، وهو الأمر الذي لم تسبق معالجته في اتفاقية سابقة أو منفردة حتى تاريخ صدور هذه الاتفاقية.
ويشمل اصطلاح "السكان المدنيين" كافة الأشخاص المدنيين المقيمين على إقليم الدول المتحاربة والسكان المدنيين المقيمين في الأراضي المحتلة. ويعتبر شخصاً مدنياً كل من لا يشترك "يقاتل" في الأعمال العدائية بشكل مباشر. وإذا ما أثير الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أو عسكرياً فإن صفة المدني هي التي تغُلب، وتمتد هذه الحماية لتشمل المشاركين في الخدمات الطبية، وأعمال الإغاثة، والصحفيين، وأفراد أجهزة الدفاع المدني. وبموجب الاتفاقية فإن السكان المدنيون والأشخاص المدنيون المشمولون في الحماية العامة يجب أن يكونوا مستثنيين من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية الدفاعية أو الهجومية من الخصم في مواجهة الطرف الأخر، وفي أي إقليم تشن منه، بما في ذلك الإقليم الوطني لأحد أطراف النزاع، والواقع تحت سيطرة الخصم سواءً في البر أو البحر أو الجو، ولا يجوز أن يكون المدنيون محلاً للهجوم، ويجب حمايتهم ضد الهجمات العشوائية التي تصيب الأشخاص والأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين والأعيان المدنية دون تمييز.
طبعا يتعمد الكيان الإسرائيلي منذ بداية الحرب على لبنان، بل منذ انطلاق عملية طوفان الاقصى، استهداف المراكز والمنشآت والمباني المدنية بحجج واهية وغير دقيقة، أنها تحتوي على صواريخ وأسلحة او فيها مقاتلين ومسلحين، في محاولة لتبرير عملها العسكري المركز وانتهاكها لكل المواثيق والقوانين الدولية والانسانية التي تؤكد على حماية المدنيين والمنشآت المدنية، بل انها تذهب الى ما هو أبعد من ذلك في تأكيد الضرورة العسكرية التي تتناقض مع الهجمات العشوائية التي يديرها الاحتلال الإسرائيلي.
من هذا المنطلق تطرح هذه المادة المرفقة أدناه قواعد القانون الدولي الإنساني التي تؤكد ضرورة التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وتحدد مصطلح "المدني"، وتضع قواعد صارمة لحماية المدنيين كما انها تقر بأن أي انتهاك لحقوق المدنيين يعد جريمة حرب ويمكن ان يصنف ايضاً على انه جريمة ابادة جماعية.
نتعرض في هذه الورقة القانونية الى:
انتهاك مبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين
- المفهوم القانوني للسكان المدنيين
- المبادئ التي تحكم حماية المدنيين أثناء الحرب
استهداف المدنيين والمنشآت المدنية جريمة حرب وجريمة ابادة جماعية
- اعلان الحرب على المباني المدنية والمدنيين: جريمة ابادة جماعية
- اعلان الحرب على النازحين المدنيين جريمة حرب